بين عشية وضحاها، تحوّل حلم «شيماء»، محامية، بإنجاب «ولد»، إلى كارثة، إذ أصيبت الشابة الثلاثينة في أثناء إجراء أشعة صبغة على عنق الرحم، نتيحة احتراق جهاز «إكس راى» داخل أحد المعامل بمنطقة المعادى في القاهرة، بحروق من الدرجة الثالثة، وتشوه تام للجزء العلوى من جسدها، وتورم عينيها بما يشير إلى احتمالية فقدانها البصر، ما أدى إلى دخولها العناية المُركزة بأحد المستشفيات حيث لفظت أنفاسها الأخيرة.

يُندب زوج «شيماء» حظه العاثر، وطفلتاهما- أكبرهما بالصف الخامس الابتدائى، لا تكفان عن طلبهما «عايزين ماما»، ووالدهما يقول «دى عامود البيت، كل شىء اتهد من بعدها»، فيما قررت النيابة العامة تشميع المعمل محل الواقعة لحين الانتهاء من التحقيقات مع طبيب تخدير وعاملة وممرضة، لبيان مسؤوليتهم عن الحادث، الذي برروا الواقعة بأن أنبوبة أكسجين انفجرت وأدت إلى احتراق جهاز الأشعة، فيما أفادت معاينة جهات التحقيق بأن ماسا كهربائيا وراء الواقعة.

رُزقا «عيد نادى»، وزوجته «شيماء»، بطفلتين، إلا أن إلحاح والدته على ضرورة إنجاب «ولد»، كان سببًا في توجه زوجته رفقة شقيقتها وإحدى طفلتيها إلى المعمل الطبى، لإجراء أشعة «إكس راى» بالصبغة على عنق الرحم، للوقوف على أسباب «تأخر الإنجاب»، وفق الزوج الذي يضيف: «يومها كنت في الصعيد مع أهلى، بقدم واجب العزاء في متوفى من أقاربى، وتلقيت اتصالًا إلحق مراتك اتحرقت في المعمل، ولما تحركت على القاهرة وحضرت إلى المستشفى، وجدتها شخصًا آخر غير الذي ألفته، شعر رأسها كان متساقطًا، ووجهها بلا جلد ولا أي ملامح، ومن منطقة الصدر حتى البطن محروق بذارعيها، والجزء السلفى به حروق بسيطة».

«شيماء»، فاقدة للوعى داخل العناية المُركزة، لذا لم يستطع زوجها معرفة تفاصيل الحادث منها، بادئ الأمر، فيما روت شقيقتها «صفاء»: «روحنا على المعمل وكان معانا (جنى)، 11 سنة، ابنة أختى، عشان نعمل أشعة بالصبغة على عنق الرحم، لتعرف سبب تأخر حملها، وأول ما وصلنا طبيب التخدير والممرضة وعاملة طلبوا مننا الانتظار خارج غرفة الأشعة، ونبهوا مرارًا على أنه ممنوع الدخول هنا تحت أي ظرف».

وبعد مرور 5 دقائق، وحين أضاءت لمبة حمراء اللون، خارج غرفة الأشعة، ظنت «صفاء» أن ذلك تحذيرًا لها بعدم الاقتراب من الغرفة وفق ما قاله العاملون بمعمل الأشعة، رغم أنها سمعت أصوات فرقعة، جعلت قلبها يرتجف، لتستكمل: «فجأة الدكتور طالع بيجرى ومعاه الممرضة، وكان بيصرخ.. حريقة».

حجرة الأشعة، تصفها «صفاء»: «كانت عبارة دخان في دخان، متشوفش منه ولا حاجة، ولا حتى أختى كنت شايفاها.. الدكتور فضل يواصل الصراخ المكان ينفجر، وهنا لم أدرِ بنفسى وفضلت أصوت والناس اتلمت ومحدش واخد باله منى، وكنت بقول لهم أختى جوه الأوضة».

طبيب التخدير، شدّ خرطوم مياه من خارج الشقة الكائن بها مركز الأشعة، وظل يستغيث بالأهالى: «افتحوا الميه.. افتحوا»، لكن لم يسمعه أحد، ما جعله يكسر صندوقًا بأحد حوائط العقار، لينجح بمعاونة شباب من المنطقة في السيطرة على النيران، إذ تعاود شقيقة «شيماء» كلامها: «خرجوا أختى على سرير متحرك، والدكتور قال لازم نشوف فيها نفس ولا لأ، ولما وجدها تتنفس وفاقدة للوعى حط لها أنبوبة أكسجين للتنفس، ولما فاقت في عربية الإسعاف كانت تصرخ وتتألم من إصابتها.. كانت متخدرة، ولا تستطيع التحرك، ولما دخلت غرفة الأشعة، معرفتش تقاوم، وهى جوه الجهاز لما اتحرق، الدكتور قالنا إن أنبوبة الأكسجين اتحرقت ما أدى إلى انفجار جهاز الإكس راى».

أسرة الضحية، تشكك في تلك الرواية «إزاى الأنبوبة تنفجر، وملهاش علاقة بالأشعة، وابنتها جنى في حالة صدمة جراء الحادث أول ما شافت أمها في عربية الإسعاف، والإصابات اللى فيها، أغمى عليها، والمسعفون ودوها على المستشفى هي كمان، بس حطوها في الكرسى الأمامى عشان متفوقش وتشوف والدتها بالمنظر ده تانى».

داخل سيارة الإسعاف، جلست «صفاء» إلى جوار شقيقتها، ولا تنسى منظرها أبدًا «لمست دراعها كأن ماسكة حاجة بلاستيك، ولقيت شعرها أقصر من أي ولد، ولولا كنت معاها مكنتش عرفت إن دى أختى، لأن جلدها أحمر واتقشر، وقد تكون فقدت بصرها لأنها مبقتش شايفة حاجة قدامها»، تقول قبل تليفها خبر وفاة شقيقتها الضحية:«عايزين حقها يالقانون».

حسب أوراق التحقيقات، التي حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها، فإنه تبلغ لغرفة عمليات النجدة بحدوث ماس كهربائى بجهاز أشعة بإحدى الشقق ونتج عنه وجود مصابين داخل معمل أشعة في المعادى، وبالانتقال تبين أن المكان ملك الدكتورة «ف. م»، وهو عبارة عن دور أرضى وأول بمساحة 600 متر وبه أجهزة أشعة مرخصة من وزارة الصحة، وتبين حدوث خلل بأسطوانة الأكسجين المتواجدة داخل غرفة أشعة «إكس راى» أدى إلى انفجار الجهاز واشتعال النيران بمريضة على سرير للأشعة.