ياسر أيوب
ستبقى كيليا نمور بطلة إحدى الحكايات التى لن تنساها فرنسا لوقت طويل بعد انتهاء دورة باريس.. فلم تكن كيليا مجرد لاعبة جمباز جزائرية فازت بالذهب إنما هى التى بميداليتها أزعجت فرنسا وأغضبتها.. فمن بين كل الميداليات الذهبية التى جرى تسليمها لمن فازوا بها فى باريس.. كانت ميدالية كيليا بالتحديد هى التى أرغمت الفرنسيين لحظة رفع العلم الجزائرى على إذاعة السلام الوطنى الذى طالما حاربته ورفضته وكرهته فرنسا وحاولت تغييره.

ففى سجن بربوسا بالعاصمة الجزائرية كتب الشاعر الكبير مفدى زكريا فى ١٩٥٥ نشيدا وطنيا للجزائر بتكليف من قادة الثورة الجزائرية.. وعلى جدران الزنزانة كتب مفدى بدمائه كلمات النشيد الذى تقول بدايته: «قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات».. وتقول نهايته: «عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا فاشهدوا فشهدوا».

وبعد محاولتين غير ناجحتين لتلحين النشيد، تم إرسال الكلمات للقاهرة حيث قام الموسيقار المصرى الراحل الكبير محمد فوزى بوضع موسيقى السلام الوطنى الجزائرى هدية منه للجزائر واحتراما واعتزازا بثورتها واستقلالها.. وما أغضب فرنسا وقتها ولا يزال يغضبها حتى الآن هو إحدى فقرات النشيد الجزائرى: «يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب.. يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدى وخذى منا الجواب.. وحين فازت كيليا بالذهب».

وبدأ عزف السلام الجزائرى.. كان الجزائريون فى المدرجات يغنون نشيدهم فى مشهد لم تتوقعه ولم تحبه فرنسا.. ولم يقتصر الأمر على ذلك إنما زادت حكاية كيليا نفسها من غضب الفرنسيين وحزنهم، حتى إن الصحافة الفرنسية بدأت تطالب باستقالة ساندرين لوفيفر رئيس الاتحاد الفرنسى للجمباز.. فرغم أنها جزائرية الجذور والأب إلا أنها ولدت فى فرنسا وبدأت تلعب الجمباز فى نادى أفوان بومون، واكتشف المدربان مارك وجينا موهبتها، وتوقعا أن تصبح من أهم لاعبات الجمباز فى فرنسا.

وبعد إصابتها بالتهاب العظم والغضاريف وجراحة صعبة فى كل ركبة.. رآها الاتحاد الفرنسى للجمباز لا تصلح للجمباز أو اللعب لفرنسا واقترح عليها الاعتزال أو ممارسة لعبة أخرى.. وأعادها أبوها للجزائر التى احتضنتها دون توقع أو تخيل أنها ستفوز بالذهب الأوليمبى لكنها فقط تضامنت مع إحدى بناتها التى تعرضت لظلم وإهانة فرنسية.

وبالفعل أصبحت كيليا منذ العام الماضى لاعبة جمباز جزائرية وفازت بميدالية الذهب فى بطولة أفريقيا الأخيرة.. وشاركت بإسم الجزائر وعلمها فى دورة باريس الحالية.. كان قدرها أن تكون أولى مشاركاتها الأوليمبية فى عاصمة البلد التى تخلت عنها وخذلتها ورأتها لا تصلح للعب.. وفى واحدة من أجمل حكايات رد الاعتبار فى التاريخ الأوليمبى.. انتصرت كيليا وفازت بالذهب فى قلب باريس وأمام كل الفرنسيين.
نقلا عن المصرى اليوم