بقلم: د. نجيب جبرائيل
يبدو أن الاخوان المسلمين المتمثلين في حكم البلاد لم يكتفوا بما استحوذوا عليه من معظم مفاصل الدولة المصرية تقريبا ومن محاولة فرض دستور على الشعب المصرى يعكس اطماعهم التوسعية في مشروع الخلافة الاسلامية وفرض نظام " ولاية الفقيه " ولكن يبدو أن الامر في سبيل ذلك ليس بحصار الحرية ولعدالة اى بحصار المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من الدخول اليها وايضا بحصار انصار ابو اسماعيل لمدينة الانتاج الاعلامى ومنع بث حرية الكلمة من هذا المكان ولكن الامر استطال لاكثر من ذلك وهو ما قرأناه وسمعناه من الخطاب الذي وجهه مساعد رئيس الجمهورية للشئون الخارجية الدكتور / عصام الحداد للاعلام الاجنبى متعمدا كتابته باللغة الانجليزية ظنا منه او غباء بان لا احد يمكن أن يقرأها اذا حوى هذا الخطاب التشكيك في نزاهة قضاه المحكمة الدستورية العليا واتهام احكامها بالريبة والشك , بل شكك في ذمة القضاه انفسهم بانهم قوى مضادة للثورة
ويأتى ذلك امتدادا لما صرح به الرئيس “مرسي” نفسه مبرر وضع اعلانه الدستورى الصادر في 22نوفمبر الماضى ومحصنا قراراته وتأسيسيته المطعون عليها ومجلس شورته ذات 6% ضد رقابة هذه المحكمة . ومن ثم اراد الحداد أن يلوث سمعة هذه المحكمة العريقة التي توصف بانها ثالث محكمة على مستوى العالم من حيث الترتيب المهنى والقانونى.
واضاف مساعد رئيس الجمهورية في مضمون بيانه الذي يتهم الدستورية وقضاتها بالتأمر لاسقاط مكاسب الثورة ونسى أن “مرسي” ما كانت له شرعية الا بحلفه اليمين القانونية امام قضاة هذه المحكمة وان تلك المحكمة ايضا هى التي رفضت الدعوى التي كانت قد اقيمت بالغاء الاعلان الدستورى الذي وضعه الاخوان في 30 مارس 2011 ولا نعلم حقيقة مدى الخوف الذي ينتاب مؤسسة الرئاسة لدرجة انها تعمدت أن تقلص اعضاء هذه المحكمة في الدستور الجديد فاطاحت باكثر من ثلث اعضائها وخاصة الذين وقفوا ضد قرارات الاستبداد والطغيان.
فجاءت رسالة الحداد بالانجليزية إلى صحف العالم الاجنبية وكأنها رسالة تبرر التهديد والوعيد الذي سوف ينفذ خلال اقل من اسبوع بعد المرحلة الثانية من الاستفتاء المفضوح ولكن يكفينا أن نفضح ما صرح به مساعد رئيس الجمهورية عبر البيان الصادر من المتحدث الرسمى بأسم المحكمة الدستورية العليا المستشار / ماهر سامى الذي فضح وكشف في بيانه ما صدر عن مساعد رئيس الجمهورية , ثم فوجئنا بصدور بيان رئاسى منكمشا مفاده أن الرئاسة سوف ترجع إلى مصدر من تحدث بأسمها حيث لا تعرف مصدر ذلك فجاءت تصريحات ياسر على المتحدث بأسم قصر الاتحادية لتكون قبحا أكثر من ذنب.
ثم نأتى إلى واحدة اخرى مما يفعله الاخوان من ترهيب ووعيد فاذا كانت الاولى قد خصت الدستوريا العليا فالثانية قد جاءت لترهب بابا الاسكندرية تاوضروس الثانى الذي لم يمض على جلوسه سوى شهرا فقط اذ جلس على كرسيه في 18 نوفمبر 2012 حين خرج علينا الاخوان امس في صحيفتهم المعبره عن لسانهم " الحريةوالعدالة " في عددها بتاريخ 17/12/2012 لترهب البابا الوعيد وعظم ثوابر الامور تحت عنوان ( الاقباط وحافة الهاوية ) وجاء هذا التهديد بالنص "تحاول الكنيسة اليوم أن تبنى على ما انتهى اليه البابا السابق وفى الواقع انما تحاول الكنيسة اليوم أن تبنى عليه هو شفا حرف هار لا يصلح للتعلية بحال والبابا السابق قد تعاطى مع نظام السادات عشرة سنوات انتهت به إلى خارج العرش البابوى اما الثلاثون عاما الاخيرة التي تعايش فيها البابا مع النظام المجرم حسنى مبارك فكانت لها حسابات اخرى اذ كانت عمليات القتل المنظم والاعتقال التي قام بها نظام المخلوع المجرم للاسلاميين قد لاقت استحسان من الولايات المتحدة الامريكية التي اختلطت علاقاتها اى امريكا بعلاقة النظام والكنيسة أن الكنيسة قد وجدت في اعتقال وقتل الاسلاميين انها تحد من التطرف الدينى الاسلامى وتحد من تطبيق الشريعة الاسلامية ".
واضافت صحيفة الاخوان " واليوم تقف الكنيسة المصرية موقفا غريبا فاول تصريح للبابا الجديد عن الدستور أن مادة تفصل في معنى الشريعة يقصد المادة 219 بانها مادة كارثية ورجعية واضافت الجريدة تعليقا على قول البابا حسب زعمها بان تلك العبارات هى من الصغر بحيث لا يجب أن يردد البابا مثلها حتى لا يتجرأ الصغار عليه " واضافت الجريدة " أن الانقسام في الشارع المصرى حول الازمة الدستورية وبين الشعب وغالبيته الكاسحة من ناحية واقلية تشمل فلول الحزب الوطنى والاقباط من ناحية اخرى "
واستطرت الجريدة " أن التعددية السياسية حولها الاقباط إلى تعددية دينية لاعادة النظام البائد وان المسيحيون ينحازون إلى فصيل واحد معاد للثورة " .
واختتمت الصحيفة الاخوانية أن ذلك كله ينذر بكارثة حقيقية تحل بالمسيحيين بالدرجة الاكبر وهذا وهذا ما يدعوا إلى المقاطعة الاقتصادية حسب ما ذكرت الجريدة لشركات ومحال الاقباط جزاء اتحادهم مع الفلول وان ذلك سوف يقطع اقوات كثير من الاقباط من اصحاب والعاملين في تلك المحال والشركات.
ورغم أن ما اوردته صحيفة الحرية والعدالة الناطقة بأسم الاخوان وبأسم مرشدهم رغم ما يحمله هذا المقال من ذم وقذف في شخص البابا تاوضروس الثانى الذي لم يكتمل ثلاثون يوما على جلوسه على كرسيه والذى كان قداسته حريصا كل الحرص خلال هذه الايام القليلة على أن يشجع كافة المسيحيين في كافة انحاء الكرازة على الذهاب إلى الاستفتاء على الدستور باعتبار ذلك واجب وطنيا رغم المعارضة الشديدة والمطالبة بالمقاطعة يبدو أن الاخوان كعادتهم ليسوا ضد الكنيسة فحسب وانما يريدون الوقيعة بين كافة القوى الوطنية ومن بينها الكنيسة وهذا ليس بغريب حتى أن وصولهم إلى الحكم كان بهذه الطريقة خديعة البسطاء وهم يمثلون اكثر من 60 % من الشعب المصرى بان النار في انتظار من يرفض الدستور ومن قبله اعلان مارس لانه يرفض الشريعة وان من يقول "نعم " فله الجنة ولكن الاخوان فيما اوردوه في صحيفتهم امس ضد الاقباط من تهديد البابا ووعيد الاقباط قد تجاوزا الخطوط الحمراء فراحت عبارات هذا المقال تشكل مغالطات وجرائم نوجزها في الاتى :-
1- تلويث سمعة البابا الراحل قداسة البابا شنودة الثالث الذي لا يوجد اثنان في مصر او في العالم العربى قاطبة يختلفون على وطنيته التي قاد بها الكنيسة ابان فترة حبريته حين كان الاخوان في الجحور وشقوق الارض حينما سمع صوت الزعيم الفلسطنى الراحل ياسر عرفات يجلجل بين جنبات الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية حينما كان محاصرا في رام الله وفى حضور قداسة البابا شنودة وسط حشد هائل من الاقباط والمسلمون في الكاتدرائية صدح صوت عرفات " ياجبل مايهزك ريح " فكان البابا شنودة هو من اقوى المناصرين للقضية الفلسطينة وكافة القضايا العربية.
2- حين يكذب الاخوان ويقولون أن الكنيسة والبابا كانت امريكا تحتضن علاقة الكنيسة بنظام مبارك الا يعلم هذا القلم الخائن أن البابا شنودة الثالث مكث اربعون عاما او اكثر على كرسيه لم يستقبل مسئولا امريكيا واحدا يتكلم عن معاناة الاقباط في ظل النظام السابق الذي كان يستمر الحصول على تصريح ببناء كنيسة لعشرات السنوات وفى ظل نظام كان يتعامل مع المسيحين بنظام القطعة والمنحة ثم جاء ما هو اسوأ وهو نظام الاخوان الذي نعيشه الان.
3- ان تهديد الاخوان للبابا تاوضروس الثانى بقولهم " انظر ما حدث لسلفك البابا شنودة الثالث حين تعاطى مع نظام السادات فاطاح به السادات خارج العرش البابوى. اقول لهم أن السادات رغم قراره بعزل البابا شنودة الثالث كان قرارا باطلا وذلك ما اكدته المحكمة العليا بان سلطان البابا هو سلطانا روحيا وليس سلطانا مستمدا من قرارات جمهورية , ولكن الاكثر من ذلك ولا شماتة فيما اقول أن قرار السادات بعزل ابابا والذى كان بتاريخ 5 سبتمبر 1981 لم يمض عليه اقل من شهر ثم قتل في اوج وعز مجده واكرر انه لا شماته انظر ما حدث للسادات وهو يجلس على قمه منصته العسكرية وما حدث له من اسلاميين فلعل هذا اكبر درس يتعين ات يعيه الاخوان حين يقترب احد بالسوء من الكنيسة عملار بالقول الالهى " أن ابواب لن تقوى عليها ".
4- ما شمله هذا المقال من وصف الكنيسة بانها احدثت انقساما بين الشعب المصرى وانها اقلية تنضم مع الفلول انما هو وصفا جبان اعتادعليه الاخوان فلا نعول عليه كثيرا فالاخوان يصفون كل معارض لهم بانه من الفلول لدرجة انهم قد وصفوا جبهة المعارضين من الانقاذ الوطنى التي لا تقل عن 80% من الشعب المعارضة لدستور الاخوان بانهم من الفلول ونسو الاخوان بانهم هم من كانوا في اكبر شهر عسل مع النظام السابق حينما كانوا تحت الارض وشقوقها حينما حصلوا على 88 مقعدا في مجلس الشعب الاسبق بل يمكن غفران بعض فلول المصريين اما احتضان الاخوان من قبل الامريكان اعتقد أن تلك صفقات لا يمكن غفرانها.
5- لكن الاخطر في هذا المقال والذى لم يختلف كثيرا عما جاء بتصريحات دكتور / عصام الحداد مساعد رئيبس الجمهورية للصحف الاجنبية بان المحكمة الدستورية العليا بانها هى وقضاتها هما قوى معادية للثورة فذات الوصف وبذات العبارات وصفت جماعة الاخوان الاقباط بانهم فصيل سياسى معادى للثورة وذلك في نظرى يمثل قانونا جريمة البلاغ الكاذب والسب والقذف لان هذا الوصف يمثل الخيانة العظمى للكنيسة وقياداتها يوجب احتقار الاقباط لدى اهل وطنهم أن صح هذا الوصف.
6- ان هذا المقال ايضا فيما اورده من ضرورة مقاطعة الشركات والمحال المملوكة للاقباط انما يمثل تحريضا علنيا على محاربة الاقباط في ارزاقهم واحداث قلاقل وفتن طائفية في المجتمع من شأنها تقويض السلام الاجتماعى.
والخلاصة أن الاخوان يجب أن يعلموا كل العلم بان محاولتهم الخبيثة مهما كانت من النيل من الاقباط هى محاولة رخيصة تحاول الوقيعة بين الاقباط وشركائهم في هذا الوطن وليعلم الاخوان انه رغم ما جاء بجريدتهم وما شكلته من جرائم كبرى لكن الاقباط حسبهم أن يتحلوا بقول الشاعر العربى :
كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا تلقى بالحجر فتعطى باطيب الثمرا
د. نجيب جبرائيل.. رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الانسان
Nag_ilco@hotmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع