عاطف بشاى

إذا كانت ثقافة «التلقين» هى آفة الآفات التى تسيطر على مناهج التعليم وبالتالى على أسئلة الاختبارات وإجاباتها.. ففى يقينى أن كارثة ما يترتب عليها من سلبيات فادحة تتمثل فى ظاهرتين بغيضتين عجز المسؤولون فى الوزارات المتتالية منذ سنوات طويلة فى التصدى لهما.. بل زاد تفشيهما تفشيًا مرعبًا ينذر بانهيار منظومة عريقة كانت فيها مؤسساتها رمزًا منيرًا ورائدًا يفخر به ماضيها العريق والمشرف. البغضيتان هما غش مستفحل فى الامتحانات فردى وجماعى.. وتنام طاغ لمافيا الدروس الخصوصية والسناتر المتوحشة الانتشار فى كل أرجاء المعمورة وفى كافة المدن والمحافظات المختلفة بمباركة محمودة وسعادة غامرة من المؤسسات التعليمية وصل إلى درجة أن وزيرا سابقا فكر فى التعاون المتبادل بين المؤسسة التعليمية وتلك السناتر الباغية لحل مشاكل التعليم.

 

الغريب أنه فيما يتصل بانتشار الغش الفردى والجماعى ينشط المسؤولون فى الانقضاض العنيف دون رحمة أو تهاون فى إطار خطة محكمة وممنهجة ورؤية عصرية تعتمد على أجهزة أمنية متطورة فى ضبط المنحرفين والأشقياء المجرمين وأرباب السوابق المتلبسين بالغش.. وعقابهم الفورى الرادع والحاسم تحقيقًا للعدالة الناجزة والانضباط الناجح.. والمساواة النموذجية بين الطلاب المجتهدين فى حفظ وصم المناهج وبين المشاغبين والفاشلين المعتمدين على الغش.

 

وتستخدم الوزارة فى هذا الشأن وسائل حديثة كالتفتيش بالعصا الإلكترونية للكشف عن الهواتف المحمولة أو أى أجهزة إلكترونية تسهل جريمة الغش النكراء تلك.. ويتم هذا التفتيش مرتين.. المرة الأولى أثناء دخول الطلبة للجان.. ومرة ثانية بعد نصف الساعة من بداية الامتحان.. ذلك بالإضافة إلى الوسائل الجهنمية الأخرى التى يلجأ إليها المتهمون الأشرار فى الغش مثل سماعات الأذن والنظارات الشمسية ووسائل تشغيل الموسيقى الحديثة الصاخبة.. أو ارتداء الكاب الذى يخفى فيه الطالب المنحرف براشيم الغش الورقية، بالإضافة إلى شيوع مجموعات الغش الإلكترونى على تطبيقى «تليجرام» «واتساب» والبدء فى نشر الأسئلة والإجابات الخاصة بها بعد مرور (٣٠) دقيقة من بدء الامتحانات، لكن ما تلبث الأجهزة اليقظة لوزارة التربية والتعليم المخول لها الكشف عن مصادر الغش أن تطبق الإجراءات القانونية المشددة والرادعة وتطبيق قانون الغش المستباح عليهم بتحويلهم إلى النيابة العامة لمحاكمتهم الجنائية وتوقيع أقصى عقوبة عليهم.

 

تنتهى بإحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتى لنيتهم المبيتة للغش التى لا تستحق شفقة أو رحمة.. فهم أصحاب نفوس مجرمة شيطانية.. من الطبيعى أن هذا الترويع الأمنى الطاغى ليس هو الحل الناجح لانتشار ظاهرة الغش.. بل إنها فشلت فشلًا ذريعًا فى مهمتها البائسة على مر السنوات الماضية وأزعم أنها ستظل قائمة ومتفشية وراسخة وتؤدى مهمتها المقدسة بدقة متناهية لإرساء فضائل السلوك التربوى القويم طالما ظلت المناهج التعليمية والاختبارات المستندة على آفة «التلقين».

 

فالحقيقة الواضحة التى لا يرغب المسؤولون فى إدراكها وتصحيح أخطائها الفادحة أن هناك علاقة لصيقة ومباشرة بين الغش وبين تلك الآفة اللعينة التى حذر منها عميد الأدب العربى «د. طه حسين» فى كتابه الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر» (١٩٣٨)، وعلاجها هو أن تشمل المناهج ومن ثم الامتحانات على بناء وعى الطالب وتنمية قدراته على التفكير.. والابتكار والإبداع وإعمال العقل.. وليس النقل والحفظ والصم واجترار سطور الكتب المقررة.. وعدم الاعتماد فى تصحيح الامتحانات على مطبوعات الإجابات النموذجية التى توزع على الممتحنين.

 

كما سبق أن أوردت فى المقالات السابقة.. فإذا اعتمدت الامتحانات على أسئلة من نوعية (برهن– حلل– علل– اشرح– اثبت– قارن– استنتج– ناقش– استنبط– استخرج– ارصد– استخلص– فسر– اطرح وجهة نظرك– عبر عن رأيك)، سوف يتم القضاء على الغش المستباح.. لأن إجابات الطلبة فى هذه الحالة ستصبح متنوعة ومتباينة ومتعددة ومختلفة وغير متشابهة أو منقولة.. وتستند على قدرات واجتهادات غير متطابقة بين الطلاب.

 

 

وبالتالى سوف تتقلص الدروس الخصوصية وتغلق السناتر الذميمة أبوابها.

نقلا عن المصرى اليوم