د.أمير فهمى زخارى

استوقفتنى مقولة قرأتها للإمام ابن الجوزى تقول: «اكتم عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك»....وتغيرت...
 
فأما ذهبك: فهو مالك وحالك وأحوالك وكل نعمة تنعم بها، فكل ذى نعمة محسود.
 
أما ذهابك: فهو أى أمر تنوى عمله، وما يخص خططك وخطواتك وأحلامك وإنجازاتك حتى لا تتعطل.
 
وأما مذهبك: فهو أفكارك ومعتقداتك ومشاعرك، فلا تنصح أحدًا إلا إذا طلب منك النصيحة، ولا تتبرع بمعلوماتك عماذا تحب وماذا تكره حتى لا تُستغل ضدك.
 
ويا ليتنى قرأت هذه النصيحة فى مقتبل عمرى، فقد كنت أفتقد الحكمة، أتكلم كثيرًا وأُطلع الجميع على كل شىء بدون فلترة، أنشر كافة التفاصيل على الملأ غير مدرك لما يُحاك لى فى الظلام، لكنى استوعبت الدرس جيدًا بعدما مررت بتجارب عديدة، ومازلت أتعلم وأستدعى الحكمة الإلهية حتى أنجو من المكائد، وهى عظيمة، فلم أعد أحتمل المزيد من الصدمات، ويكفى ما فات من ذكريات أليمة أحاول جاهدا التحرر منها، ومن هنا تغيرت.
 
■ تغيرت عندما أدركت أنه إذا أردت شيئًا ثم وجدته فهذا هو القدر.
وإذا أردت شيئًا ثم انتظرته فهذا هو الصبر.
وإذا أردت شيئًا ثم قبلت بشىء أقل منه فهذا هو الرضا.
لكن ربك الأعلى يغير الأقدار والأوقات، ويسرع بأمطار جوده المبكرة بأجمل مما تتمنى.
 
■ تغيرت عندما علمت أن البشر نوعان، من أراد منهم هجرك وجد فى ثقب الباب مخرجًا، ومن أراد منهم ودك ثقب فى الصخرة مدخلًا.
 
■ تغيرت عندما فهمت أنه مثلما نترك بعض الأطعمة تبرد قليلًا ليسهل علينا أكلها، كذلك نترك بعض الخلافات تهدأ قليلًا ليسهل علينا حلها.
 
■ تغيرت أيضًا عندما تيقنت أننا بحاجة أحيانًا إلى الخلافات لنعرف ما يخفيه الآخرون فى قلوبهم، فقد نجد مَن يجعلنا نقف فى ذهول مِن أمرهم، وقد نجد مَن ننحنى لنقبل رأسه احترامًا.
 
■ تغيرت عندما توقفت عن الندم على نوايا صادقة منحتها ذات يوم لبشر لم يقدروها، وأصبحت أفتخر أنى كنت ومازلت إنسانة تحمل قلبًا صافيًا بين أناس لا يفقهون.
 
■ تغيرت عندما تنبهت أنى لست مثل أطلس فى أساطير اليونان، والعالم لا يقف عند أطراف أصابعى، لابد أن أفصل بينى وبين ما يدور حولى لأنى غير مسؤولة عن مسار الكون.
 
■ تغيرت عندما ابتعدت عن مساومة البائعين وسائقى الأجرة وغيرهم ممن يضاربون فى الأسعار، ففى النهاية لن تزيدنى بعض الجنيهات غنى، لكنها بالتأكيد ستساعد هذا أو ذاك فى توفير مستلزماتهم الأساسية.
 
■ تغيرت عندما تعلمت عدم انتقاد الناس حتى وإن رأيت أنهم على خطأ، ليس هناك أحد مثالى، فلماذا أجلس على منصة القاضى وأصدر أحكامًا وأنا لا أعرف أصل الدوافع؟ أظن أن السلام مع الكل أفضل من الكمال الوهمى.
 
■ تغيرت عندما صرت هادئ أستمع أكثر مما أتكلم، فكثرة الكلام لا تخلو من المعصية، وأفكر قبل أن أتصرف حتى لا تقودنى الأهواء إلى الاندفاع فى اتجاه معتم لا أعرف تداعياته.
 
■ تغيرت عندما تأكدت أن الحديث مع الآخرين ملىء بتراكمات الماضى، ومُكبل بمعتقدات الحاضر، ومُلبد بأفخاخ المستقبل، وبناءً عليه ألتحف بالحكمة حتى لا يُسقطنى أحدهم فى جدال عقيم، فلن يبقى من كل الجدالات شىء سوى حرقة أعصابى على اللا شىء.
 
■ تغيرت عندما آمنت أنه لا أحد يملك تقرير مصيرى أو تدبير رزقى أو تسهيل طرقى أو تعظيم شأنى، لأن الأبواب تُفتح على مصراعيها بيد ملك الملوك ورب الأرباب وحده، ولا أحد يستطيع أن يغلقها، وما يصرفه عنى فهو للخير، وما يصنعه من أجلى فهو أكثر جدًا جدًا مما أطلب أو أفتكر.
 
يارب نعمل بتلك المقوله ونقول لقد تغيرنا....