القمص اثناسيوس فهمي جورج
فارقنا علامة فارقة من علامات هذا الجيل وهذا القرن ، د. موريس تواضروس عبد مريم ؛ المعتبر من المع علماء اللاهوت الاقباط المعاصرين ؛ و الذي صار صوت القبط اللاهوتى العالى وسط المحافل المسكونية الكنسية . تتلمذ للقديس الارشيدياكون حبيب جرجس "مدير المدرسة الاكليريكية" ، وكان من اول دفعاتها ؛ بل والاول علي دفعة القسم النهاري سنة ١٩٤٩.ثم حصل علي درجة الدكتوراه في مبحث ( الشخصية الانسانية عند القديس بولس الرسول ). وقد صار اهم مرجعية لليونانية ورئيس قسم العقيدة واللاهوت الكتابي بالكلية الاكليريكية القبطية ؛ وساهم في اعادة تاسيس كلية السريان - بمعرة صيدنايا بسوريا .
دراسته للاهوت لم تكن فقط نتيجة جهد العقل ، لكنها اتت معبرة عن معرفة الهية "روحية وصافية وسماوية وسامية وغير كاذبة" ، معرفة خبرة ووداعة وانسحاق وغيرة ملتهبة وشركة مع الثالوث . في قانون الحق كوديعة متجددة ؛ فكرا وقورا وتقويا لائقا .
من عاشره اشتم فيه عبير النساك والزهاد ، وانفاس الاتقياء الهدوئيين الحاذقين فى الخبرة والقناعة العقلية والايمانية ، هادئ الطباع ، خلوقاً بالطبيعة ، يحترم الكهنوت جداً ، ويهاب السلطان الكنسى ، سالكاً بحكمة وسط انواء وتيارات الازمنة .
تضمنت كتاباته شروحات وتفسيرات وتعليقات ؛ وتأصيل ابائي . ورسالة تخاطب الروح ، فى اسلوب ادبى" واضح الفكر "؛ " وسهل الفهم " ، وربما تكراره كان من اجل بلوغ المدراك .
عاش د. موريس هاضماً للكتاب المقدس ، ساعياً لمقاصده ، ومفسراً شارحاً ، ويحق ان نسميه "فلاحاً يحرث الكتاب المقدس بعهديه" . حيث كان الكتاب هو مرجعه وحجته الاساسية ، متقنا للتوثيق والحجة الابائية التى سلمها وحفظها كى تتخلى من المخابئ والزواياالخفية كل ظلمات البدع والانحرافات الايمانية .
يعتبر للدكتور موريس الريادة فى اقتحام مجال الدراسة والبعثات ، فى زمن ضعفت وشحت فيه الامكانيات ، لكنه بلغ مراده كعالم لاهوتى ، له باعه الكافى في الالمام التام بأصول اللغة اليونانية .وله الفته الشديدة مع اساليب التفكير اليونانى الابائى ، مكرساً حياته لتكون وقفاً ابدياً ، من اجل خدمة التعليم الكنسى ؛ وقد أملت عليه الضرورة وموقعه الاكليريكى ، ان يحمل مشعل الدراسة والبحث والتدريس والتصحيح والترجمة والتلمذة المستقيمة عبر هذا القرن . فعلم خوارس الكنيسة القبطية بكل رتبها وطغماتها علوم البيعة ، منشغلاً بالكتابة والتدريس والتأليف والنشر اللاهوتى الابائى ؛ بقدرة ومهارة ومثابرة كثيرة .
لقد اخذنا بكتاباته وتعليمه من ذروة الى ذروة ، فى غيرة متقدة موثقة بخطة كان يضعها فى راسه ، ثم يفصح عنها عندما تناقشه عما سيقدمه ، ويشاركك حلمه واشتياقه عندما يكون مؤرقاً من جهة مهمة يريد ان ينجزها . اما اذا وثق بإهتمامك وتعاطفك فى (قضيته العلمية اللاهوتية) . حينئذ
سينقلك للمعانى الاكثر واقعية ، ويضعك كمسؤل معه بالتوسل ؛ كى لا يخيب امله فى استكمال ما ينجز .
واذكر انه فى اخر اتصال تليفونى تم بيننا ، كان متحمساً ثائراً مؤرقاً من جهة استقامة التعليم ووحدته ، لكننى كنت مشفقاً على شيخوخته ، خاصة انه ذكر لى ان ما يكلمنى بصدده لم يجعله ينام الليل ، فرجوته ان يستريح يسيراً لكنه رفض ما لم اعده ( اوعده ) بالمساهمة فيما يسعى لاستكماله؛ حتي يصل الي اقصى درجة ممكنة لبيان الحقيقة .
كم كان مشجعاً ، ومنمياً لصغار النفوس ، وكم قدم من عرقه وعلمه ودمه حتى النفس والفلس الاخير؛ سواء في حقل الاكليريكية او في حقل مدارس الاحد والتربية الكنسية التي كان من خيرة الرواد فيها . فحياته الحقيقية كانت عملاً صحيحاً وفكراً صحيحاً . نيح الله نفسه المباركة التي انطلقت الي المجد الاسني في ٤ اغسطس واستقبلته خوارس اللاهوتيين الذين تعلم عند اقدامهم .
رقدت نفسه الباره في ٤ / ٨ / ٢٠١٨ ؛ لتسبح الذكصا وترنم لحن اللاهوت في كورة الاحياء الي الابد