( 1887- 1958 )
إعداد/ ماجد كامل
تميز المفكر الكبير سلامة موسي ( 1887- 1958) من ضمن ما تميز بالعشق الشديد للهوية المصرية ، سوا من حيث التاريخ أو الحضارة أو الصناعة المصرية . ولعل من بين عنواين كتبه الهامة نجد كتاب "مصر أصل الحضارة " ( سوف نعرض لأهم أفكاره خلال سطور المقالة ) . ومن خلال تتبعنا لسلسلة المقالات التي كان ينشرها في المجلة الجديدة ، نجد مقالا بعنوان " مصر أصل حضارة العالم " نشر في عدد ديسمبر 1929 ، بدأه بهذه السطور الجميلة " إذا أردت الكرامة والاحترام وأنت تجول في أوربا فقل انك مصري من سلالة الفراعنة .
فهناك تجد الاكبار والاعظام لأنك تعيد إلي السامعين ذكري الحضارة الأولي التي أخرجت العالم من العصر الحجري وعلمته مباديء الزراعة ........ وشيدت المعابد ، وتعيد إليهم ذكري هذه التحف التي استخرجت من وادي الملوك ، و أبدت لنا ذلك الملك الصغير توتنتخ أمون تحيط به تحف الصناعة المصرية القديمة من تماثيل وآسرة وعروش مذهبة أو مصحفة بالذهب ( المجلة الجديدة :- 1 ديسمبر 1929 ، العدد رقم 12 ، صفحة 195 ) .
وفي العدد الصادر من المجلة الجديدة الصادر بتاريخ 1 مايو 1931 ، كتب مقالا بعنوان " تحقيق القومية المصرية " وبعد أن أستعرض التطور الحادث في مصر في ( الحركة السياسية – الحركة الأدبية – الحركة الاقتصادية ) ، يؤكد في نهاية المقالة أن إستقلالنا يقوم علي ثلاث أرجل هي :-
1-جهاد في الميدان السياسي .
2-جهاد في الميدان الأدبي والفني .
3-جهاد في الميدان الاقتصادي .
ويختتم مقالته بهذه العبارة الهامة " يجب أن نعمل جميعا أن نعيد لامتنا شخصيتها ، فأن الزائر الآن لبعض الشوارع في القاهرة أو الإسكندرية يري أن الشخصية المصرية قد أنعدمت منها . فهذا البناء انجليزي ، وهذا الاثاث إيطالي بل ألوان الطعام نفسها التي تعرض في المطاعم ليست مصرية . وقد تدخل منزل يملكه مصري من سلالة مصرية قديمة فلا تجد فيه شيئا من مصنوعات بلادنا . وقد يقطع السائح الأجنبي آلاف الأميال لكي يزور القاهرة ويعرف شيئا عن هذه المدينة عاصمة أفريقيا ، فلا يجد شيئا يصح أن يسمي قاهريا . فأن الفندق والشارع الذي ينزل فيهما ، والطعام الذي يأكله واللغة التي يسمعها كلها تشعره أنه لم يترك أوربا أو أمريكا التي جاء منها . ....... أن لمصر شخصية كاملة واضحة نقرأ عنها ونراها في متاحفنا ونفخر بها ...... أننا نريد أن تكون لمصر الحديثة شخصية واضحة وقومية مستقلة في سياستها وأدبها واقتصادها ، نريد أن نطبعها بطابعنا المصري فنحكم أنفسنا ونؤلف أدبنا ونلبس مليوساتنا ونمارس فنونا بما توحيه لنا العبقرية المصرية التي يشهد بسموها ستة آلاف من المدنية ( راجع المقال بالكامل في :- المجلة الجديدة :- 1 مايو 1931 ، الصفحات من 786- 795 ) .
ويذكر سلامة موسي في سيرته الذاتية قصة كفاحه السياسي ، أنه ألف في عام 1930 جمعية المصري للمصري ، الهدف الرئيس منها هو الدعوة إلي مقاطعة البضائع الأجنبية ، وإتخاذ ملابسنا كلنا من الأقمشة المصرية ، ولقد أعجب سلامة موسي كثيرا بالزعيم الهندي الشهير " غاندي " ( 1869- 1948 ) فكتب عنه كتابا بعنوان " غاندي والحركة الهندية " ، كما أرسل إليه خطابا في عام 1931 ، يطلب منه كل المؤلفات الخاصة بحركة الغزل والنسج التي يقوم بها الفلاحون الهنود وأيضا بعض أدوات الغزل التي تستعمل في الهند ، فأرسلها كلها إلي . وعندما كتب سلامة موسي مقالا يدعو فيه إلي إنشاء متجر في أحد شوارع القاهرة لا يبيع فيها إلا المنتجات المصرية ، وعندما قرأ طلعت حرب باشا ( 1867- 1941 ) المقال ، طلبه في جلسة خاصة لمناقشة كيفية تنفيذ هذا الاقتراح ، ووجهه إلي مدير مدرسة رقي المعارف في ذلك الوقت الذي ساهم بمبلغ ألف جنيه في سبيل تأسيس متجر كان هو البذرة الأولي لما يعرف ب" شركة مصر لبيع المصنوعات المصرية " ( سلامة موسي :- تربية سلامة موسي ، الصفحات من 127- 132 ) .
كما كتب كتابا بعنوان " جيوبينا وجيوب الأجانب " ولقد بدأ مقدمة الكتاب بالدعوة إلي تحويل مصر من بلد زراعي إلي بلد صناعي ، فالتمدن – من وجهة نظره- ينحصر في الصناعة ، ففيها فنون ومخترعات وميدان واسع للتفكير والابتكار ، فالسيادة الآن للأمم الصناعية ......... فإذا كنت مصريا وطنيا أذكر الصناعة ، وعلق عليها رجاء الأمة في الإستقلال الاقتصادي ، والسبيل لكي نتقدم ونتخلص من الاستعمار الاقتصادي والحربي والأخلاقي هو الإقبال علي الصناعات ، ونجعل من الصانع المصري رجلا نحبه ونحترمه ( سلامة موسي :- جيوبنا وجيوب الأجانب ، صفحة 30 ) .
كما دعا المرأة المصرية إلي مشاركة الرجل في الصناعة ، ومن هنا الدعوة إلي الاهتمام بتعليمها ، فإهمالنا لتعليم المرأة عاد علينا بخسائر جسيمة ، ( لقد أخذت قضية المرأة جانبا هاما من جوانب اهتمامات المفكر الكبير سلامة موسي ، وهو موضوع يستحق أن يفرد له مقالا مستقلا ) .
كما طالب بضرورة الاهتمام بتطوير القرية المصرية ، فالقرية المصرية في حاجة ماسة إلي التجديد الاجتماعي والثقافي والهندسي والاداري ، وأساس ذلك كله هو التجديد الاقتصادي ، فإذا نحن أغنينا القرية بالصناعات التي تدر عليها المال أغنت هي نفسها بالتعليم وضروب الحضارة والرفاهية .
وفي نفس المجال ، طالب سلامة موسي بالاهتمام بالصناعة المصرية في مجالات ( الغزل والنسيج – الأحذية – دور السينما في مصر ..... الخ ) .
كما كتب كتابا هاما بعنوان " مصر أصل الحضارة " يدعو فيه المصريين إلي الاهتمام بدراسة الحضارة المصرية القديمة ، فجميع الجامعات الأوربية يوجد بها أقسام كبيرة في علوم المصريات ، فالصلة بيننا وبين المصريون القدماء ما زالت قائمة ، فاللغة المصرية القديمة ما زالت حية في صلوات الكنيسة المصرية ، وكل ما طرأ عليها أنها تكتب بحروف يونانية ....... ونحن نري السحنة الغالبة بين الفلاحين المصريين الحاليين وبين قدماء المصريين ما زالت واضحة ، ودراسة تاريخ الفراعنة يجب أن تؤلف اللجان في كل مدينة كبيرة وصغيرة لكي تشتري الكتب التي كثيرا ما يتجاوز ثمنها قدرات الأفراد ، كما يجب أن تصنع الأفلام التاريخية عن الفراعنة بإشراف أحد المصرولوجين لعرض الحياة المصرية القديمة ، كما يجب علي المدارس أن تتوسع في تدريس التاريخ الفرعوني . وعندنا مدينة كبيرة مثل القاهرة يجب أن تهتم بوضع لمسات من الفن الفرعوني ، هذا الفن الذي يبعث علي الهيبة والوقار مثلما نراه في ضريح سعد زغلول .
( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- مصر أصل الحضارة ، درس الفراعنة وقيمته لنا ، الصفحات من 7 – 13 ) .
وفي فصل بالغ الأهمية بعنوان " مصر أصل الحضارة " يتبني فيها سلامة موسي نظرية عالم التشريح الإنجليزي إليوت سميث Elliot Smith ( 1871- 1937 ) الذي آمن أن مصر هي مركز الحضارة في العالم القديم كله ، ومنها خرجت كل حضارات العالم . ولقد تبني سلامة موسي هذه النظرية ، وكان من بين طرق تحققه من هذه النظرية :-
1-نحن نعرف أن الأساطير الحديثة ترجع إلي قصص قديمة ، فمثلا " الألياذة " أثبت عبد القادر حمزة أن جميع الأساطير التي ذكرها هوميروس في ملحمته ترجع إلي قصص مصرية قديمة نقلها الأغريق إلي مصر .
2-أثبت الأستاذ برستد أن الفن الأغريقي القديم إنما نهض علي الأسس التي وضعها المصريون القدماء ، وحسب الإنسان أن ينظر إلي الصور التي وضعها للمقابلة بين العمود المصري والعمود الأغريقي لكي يعترف أن الفن الأغريقي مقترض من مصر .
3-في العادات الحديثة بين الأمم الشرقية المتمدنة والمتوحشة ما يدل علي أن الثقافة الفاشية ترجع إلي أصل مصري ، مثل عبادة البقرة في الهند ، هي معبودتنا القديمة " هاتور " التي يعرف أسمها كل فلاح مصري ، وتقويمنا الفرعوني أخذه يوليوس قيصر من الإسكندرية .
( سلامة موسي :- مصر أصل الحضارة ، صفحة 26 ) .
ولقد كتب سلامة موسي كتابا هاما بعنوان " التثقيف الذاتي أو كيف نربي أنفسنا " ويوجد فيه فصل بعنوان " الحضارة المصرية القديمة " حيث يذكر فيه أنه يوجد ثلاثة أسباب تدفعنا إلي دراسة التاريخ المصري القديم هي :-
1-هو تاريخ مصر ، ونحن مصريون نعيش في جو من العادات والتقاليد التي تغلغت في بيوتنا ومعابدنا .
2-هو ليس تاريخ مصر وحدها ، بل هو تاريخ الحضارة الأولي في العالم ، ونحن حين ندرسه إنما ندرس البواعث البشرية لإيجاد ثقافة زراعية ، وكيف نشأت الأديان والحكومات والقوانين والأخلاق .
3-أن في مصر متحف مفتوح من أفخم المتاحف في العالم ، وعلي كل مصري أن يزور هذه الآثار ويدرسها بعمق .
كما ينصح القاريء المصري بقراءة الكتب التي كتبت عن هذه الحضارة ، وينصح بقراءة كتب ( برستد- بروجش – بتري – اليوت سميث – بيري – ماسبيرو ) . فضلا عن المؤرخين القدماء ( هيرودوت – بلوتارك ) . أما في اللغة العربية ، فيمكن قراءة مؤلفات ( سليم حسن – انطون زكري – عبد القادر حمزة ) .
( راجع الفصل بالكامل في :- سلامة موسي :- التثقيف الذاتي أو كيف نربي أنفسنا ؟ ، الصفحات 81 – 82 ) .
وفي كتاب " الصحافة حرفة ورسالة " كتب فصلا بعنوان " يوم ماتت صحافة مصر " طالب فيه بتمصير الصحافة المصرية فقال " ليس من شك أننا كنا نريد أدبا مصريا . نريد من الصحفي المصري أن يخاطبنا بلغتنا ، وأن يحرض في نفوسنا الأماني المصرية .... فالصحيفة التي يقرأها المصري يجب أن تكون مصرية بالدم والروح والمزاج ، لأنها مرآة نفسه في اليوم والغد ، وتمثل رجاءه في الاستقلال والحرية ، وتنشد له أدبا مصريا يتفق ومزاجه ولغته وبيئته ومصريته " ( سلامة موسي :- الصحافة حرفة ورسالة ، صفحة 12 ) .
كما طالب سلامة موسي بضرورة وجود أدب مصري ، وفي هذا المجال يذكر محاضرة للدكتور أحمد ضيف عن وجوب العمل لإيجاد أدب مصري خاص ، ونجد مثالا لهذا الأدب في العائلة التيمورية ، فعائشة التيمورية هي عمة محمود تيمور ، والثاني هو أحمد باشا تيمور الذي كتب معجم للألفاظ والأمثال العامية المصرية يبحث عن جذورها وأصلها ، الثالث محمد تيمور الذي حاول أن يجعل المسرح المصري مصريا خالصا ولكنه لم يعش طويلا لكي يحقق حلمه ، أما الرابع والأخير فهو محمود تيمور الذي حاول يمصر القصة ، ويحاول أن يجعلها تعبر عن الواقع المصري ، ( راجع المقالة بالكامل في مجلة الهلال ، يناير 1929 ، الصفحات من 277- 279 ) .
والجدير بالذكر أن سلامة موسي هو أول من طالب بتأميم قناة السويس ؛ وكان ذلك في مقال هام وشهير له نشر في " مسامرات الجيب " عدد شهر أغسطس 1951 تحت عنوان " لنؤمم القناة " جاء فيه "تأميم قناة السويس هو أول ما يجب أن يوضع في رأس القائمة لزيارة إيرادات الدولة ، لأننا نستطيع أن نحصل بهذا التأميم علي نحو 25 مليون جنيه كل عام ..... وليس في العالم قوة تستطيع أن تمنعنا عن هذا التأميم . لأن شركة القناة لا تزيد في شرعيتها عن شركة الترام في القاهرة . وهذا بالرغم من أن أيدن وتشرشل قد يملكان بعض اسهمهما وقد يصرخان عندما تؤمم . وإدارة القناة أسهل من السكك الحديدية . وموظفو الشركة يفرحون بتأميمها ، لأنهم سيجدون دولة بدلا من شركة ، تضمن لهم معاشهم " ( رؤوف سلامة موسي :- سلامة موسي أبي ، دار ومطابع المستقبل ، الطبعة الأولي ، 1992 ، صفحة 174 ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1- سلامة موسي :- مصر أصل الحضارة .
2- سلامة موسي :- جيوبينا وجيوب الأجانب .
3- سلامة موسي :- الصحافة حرفة ورسالة .
4- رؤوف سلامة موسي :- سلامة موسي أبي ، دار رومطابع المستقبل ، الطبعة الأولي ، 1992 .
5- المجلة الجديدة :- أرشيف الصارخ ، موقع علي شبكة الأنترنت .