حمدي رزق
لفتنى طلب المهندس «مصطفى مدبولى»، من الدكتور «محمد عبداللطيف» وزير التربية والتعليم مراجعة التاريخ الوطنى فى المناهج المدرسية، شدد مدبولى، يجب أن يكتب التاريخ بصورة حقيقية وإنصاف وحيادية.
وقبل مناقشة هذا التوجيه وحيثياته، نسأل رئيس الوزراء، لماذا الآن، ما الذى استوجب المراجعة، هل بلغ مدبولى ما حفزه على طلب المراجعة، معلوم أن التواريخ إذا دونها الهواة دون المؤرخين ترى فى بعضها خللا!
وعليه مستوجب من الوزير «عبداللطيف» تشكيل لجنة من المؤرخين الثقاة يترأسها مؤرخ مشهود له بالحيادية التاريخية، تقوم على مراجعة منهج التاريخ المقرر على الصفوف المدرسية بأمانة علمية.. وحيادية.
لن نعدم مؤرخين ثقاة، وبين ظهرانينا الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، من أقدم الجمعيات العلمية غير الحكومية، تأسست فى (٢٠ يوليو ١٩٤٥)، وتضم بين أعطافها مؤرخين موثوقين قادرين على إنجاز المهمة الوطنية بأمانة وإنصاف.
الدكتور مدبولى كان حذرًا عندما قال للوزير عبداللطيف إنه (لا يقصد من حديثه أن تكتب الحكومة التاريخ بنفسها أو توجيه الكتابة فى اتجاه معين)، وهذا احتراس فى محله، عين الصواب الوطنى، الحكومة من الآن وحتى إنجاز هذا الفرض الوطنى خارج هذا الملف تماما، متروك للمؤرخين ليس غيرهم.
ابتعاد الحكومة بمسافة يوفر أجواء طيبة لإنجاز فرض وطنى تأخر كثيرًا، من المتعارف عليه تاريخيا أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وفى قول آخر يكتبه الأقوياء، وصارت مثلا حاكما لكل محاولة لكتابة تاريخ مصر، وكأنها قاعدة معرفية يستقيم عليها بناء المعرفة التاريخية، بل صار العديد يعتمد عليها كأنها من بين الحقائق المطلقة التى تقبل آليا دون مناقشة أو مساءلة.
فى حالتنا، حالة تاريخ الكتب المدرسية، يكتبها الراسخون فى تاريخ الأمة المصرية، المشهود لهم بالأمانة التاريخية، من يعتمرون علم مصر يلف رؤوسهم دون حزبية سياسية مقيتة بغيضة تاريخيا.
راجع الكتب المدرسية، بعض فصولها مكتوب بثأرية من الحقبة الملكية، وبعضها مكتوب بنفاق من هم فى الحكم، وبعضها لا يحسن الظن، «مقص دار التاريخ» اجتهد فى مهمته حسب مصدر التكليف، يفكرك بترزية القوانين على مر العصور.
يكفى الوزير «عبداللطيف» إسناد الأمر لأهله، التاريخ أمانة، وتأدية الأمانة أمر إلهى، وتاريخ مصر أمانة، وعليه بعد الإسناد المباشر لمؤرخى الجمعية التاريخية، تبتعد الحكومة والوزير ولا تطلب ولا تتعجل ولا توجه، فقط تكلف، وتنتظر مخرجات الجمعية التى تتمتع بصدقية يؤشر عليها تاريخها الطويل فى تدقيق التاريخ الوطنى.
مراجعة التاريخ فى الكتب المدرسية ضرورة وطنية، وحسنا التفت إليها رئيس الوزراء فى غمرة انشغاله، يسمونها الفريضة الوطنية الغائبة، مستوجب أن تتعرف الأجيال القادمة على جهاد الزعيم عرابى دون تشويه كما حدث أخيرا، وعلى وطنية سعد باشا زغلول الذى اتهموه بما ليس فيه، وعلى حقيقة ثورة ٥٢ التى حولوها إلى انقلاب فى كتب منشورة، ومثلها ثورة ٣٠ يونيو، وقبلها ثورة ٢٥ يناير، وهل هذه الهبات الشعبية تندرج تحت تعريفات الثورات التى تتحدث عنها كتب التاريخ.
تكليف مدبولى لا يترجم انحيازًا لهذا أو ذاك، كما فهمته انحياز للوطن، ومصر تستحق أن يكتب ويسجل تاريخها بعدالة وإنصاف من قبل سدنة التاريخ، والعاملين عليه، والمخلصين فى تدوين أحداثه.
نقلا عن المصرى اليوم