سامح فوزي
 أسوأ من تمثيل متحولين جنسيا لمشهد مسيحى، يندرج فى صميم العقيدة المسيحية، هم مدعو الحداثة فى مجتمعنا الذين دافعوا، وبرروا المشهد، بينما اعتذرت اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية فى باريس عنه. وهناك صور للتدليس أطلقها مدعو الحداثة، تجدها فى التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى، هناك من اعتبر المشهد تعبيرا عن التنوع الثقافى، وليس له علاقة بلوحة العشاء الأخير للرسام ليوناردو دافنشى، وكأن الأزمة فى اللوحة، وليس فى المشهد الإيمانى الذى تجسده اللوحة. بالتأكيد ليست الإشكالية فى السخرية من لوحة رسمها رسام، ثار حولها جدل ونقاش تاريخى، لكنها بقت تحفة فنية، ولكن فى السخرية من السيد المسيح، وتصويره امرأة يحيط به متحولون جنسيا.

وهناك من تفلسف، وتحدث باسم السيد المسيح، وغاص فى نواياه، وقال لو أن السيد المسيح كان هناك لاختار أن يجلس على هذه المائدة، يحيط به متحولون جنسيا.. أليس هو من جلس وأكل مع خطاة، ولامه اليهود بسبب ذلك؟ نعم جلس مع خطاة، وتابوا، وكان يقول لم آت لأدعوا أبرارا بل خطاة إلى التوبة. ولكن هل يشعر المتحول جنسيا بأنه خاطئ، أم يقدم تصورا لذاته، ونوعه، وجسده، يخالف التصور الذى ورد فى كل الأديان عن الإنسان، وليس فقط فى المسيحية: وهل هو موضوع للتوبة أم للتنوع الثقافى كما يتأرجح مدعو الحداثة، مرة لتشويه مشهد مسيحى، ومرة لتبرير حضوره المجتمعى؟. وهل نحن نتحدث باسم السيد المسيح، ونختار الموضع الذى يوجد فيه لتبرير مشهدا نال اعتراضا ورفضا من العالم شرقا وغربا.

وهناك من اتجه إلى تبرير مستبطن للمشهد الذى نال رفضا وتقريعا من خلال القول بأن الله لا يحتاج إلى من يدافع عنه، والدين يزود عن نفسه. ولكن أين دور المؤمنين فى الدفاع عن عقيدتهم؟ أليس عقيدة الإنسان تستحق أن يدافع المرء عنها بنفس الحمية التى يدافع بها عن أفكار وآراء ومصالح وتحيزات؟ الصورة التى أمامى أن هناك فى مجتمعنا من يرى أن الحداثة تتمثل فى نقد الإيمان أو المقدس، بدعوى أن ذلك ضمن حرية الرأى والتعبير، وفى الوقت نفسه يدافع عن الانحراف الأخلاقى باعتباره من حقوق الإنسان؟ كيف نواجه الجيل القادم، النشء والشباب، هل بتسويغ تسفيه الدين، وقبول الانفلات الخلقى؟ عقلاء الغرب، وهم كثيرون، يرون أن المجتمعات الغربية تتحلل نتيجة تفسخ الأخلاق، والاعتداء على الدين، وأن الحداثة تتجلى فى نشر الثقافة، والاستنارة، والعلم، وليس فى نزع الإيمان من قلوب الناس.

انظروا إلى كتابات روان ويليام أسقف كانتربرى الأسبق لنرى إلى أى حد العقول المستنيرة فى الغرب ترى الأزمة الإنسانية فى مجتمعاتها. بالتأكيد ليست الصيغ العلمانية واحدة فى الغرب، هناك اختلاف من مجتمع لآخر، بريطانيا غير فرنسا، وكلاهما غير الدول الاسكندنافية، وبالتأكيد خلاف دول البحر المتوسط إيطاليا الكاثوليكية، واليونان الأرثوذكسية. لكن تظل هناك تساؤلات أخلاقية عميقة يفرضها التطور العلمى المتسارع، والتدهور الأخلاقى، الذى يتفشى أيضا فى مجتمعاتنا، والذى يحتاج من جانبنا إلى نظرة متطورة للدين، ومراجعة الخطابات الدينية القديمة، بناء ولغة، حتى لا نتأثر بسبب جمودنا، بينما يتأثر غيرنا من جراء تفككه.
نقلا عن الشروق