سحر الجعارة

نحن بحاجة إلى طاقة إيجابية بعد سنوات من التخبّط السياسى، والإرهاب الدينى، والثورة على الأسر المطلق لديناصور الفساد والاستبداد.. بحاجة إلى أن نشعر بما تغيّر من حولنا وما تحقّق من أجلنا.. لا أن نظل نلعن الغلاء ونبكى على ثمن الدواء.. بحاجة إلى أن نشعر بقيمة «الإنسان» فى هذا العهد.

 

تتعدّد تعريفات الطاقة الإيجابية (Positive Energy)، فأحد التعريفات يُشير إلى أنها (حالة الرضا والسلام التى تنتج من علاقة الفرد مع ربه أو التى تنشأ من التأمل، ويُعرّفها الآخرون على أنها حالة الرضا التى تنشأ حسب الموقف، وفى النهاية كل فرد هو المسئول وحده عن توليد تلك الطاقة داخله).. قليل من الطاقة الإيجابية يُجدّد شرايين الحياة.

 

«المواطن المصرى» حطم أغلال السلبية وتصدى بصدر عارٍ لإرهاب عصابة الإخوان.. عاش عاماً ونصف العام تقريباً «تحت التهديد»: (تفجيرات عشوائية، ومحاولات اغتيالات سياسية فاشلة، وقطيع من الهمج يدنّسون الحرم الجامعى).. لكنه انتصر.. ثم دخل دائرة حظر «كورونا» وهزم الوباء الصحى، لكنه دخل فى متاهة وباء الغلاء العالمى والحرب التى تحيط به من كل الحدود.. ولا يزال راضياً صابراً مناضلاً فى وجه صعوبات الحياة وهو يسدّد فاتورة الإصلاح الاقتصادى (المهم أن يتحول الرضا إلى سعادة)، فرضا المهزوم انكسار ووجع.

 

لم تنفجر فى مصر ثورة للجياع ولا تفشّت الجرائم الاجتماعية، (كنتيجة للفقر حسب علم الاجتماع)، وكأن المواطن اكتسب وعياً جديداً بعد ثورتين مكنه من إدراك قيمة «الأمان»: انحسرت ظاهرة التحرش، قلت جرائم السرقة بالإكراه والخطف والتعدى على ممتلكات الغير، حتى لو كانت السوشيال ميديا تخبرنا كل يوم وكل ساعة بحالة عنف أو جريمة فإن «النيابة العامة» سبّاقة للمحاسبة والمحاكمة.

 

فى سيناء، أبطال لم نرَ وجوههم، لا نعرف أسماءهم، بينهم من استُشهد فى الحرب على الإرهاب.. ومنهم من راح ضحية «نيران صديقة»!

 

هناك منطقة معزولة عن كاميرات الفضائيات، فيها «أب» تلقى «عزاء الابن».. واحتسبه شهيداً للوطن.. وطفل يتيم وأرملة!

 

و«جندى مجهول» استهدفته يد الإثم والغدر، فى طريقه لزيارة أهله.. شباب فى عمر الزهور روت دماؤهم أرض الوطن.. ومنحونا الحياة بآخر نَفَس فى صدروهم.

 

هنا تعجز اللغة، وتتلعثم المشاعر فى وصف علاقة الموت بالحياة، وكأن جنيناً وُلد من رحم الحزن.. ثم هرب من الجنازة ليحتفل بالميلاد!

 

أنت هنا اليوم، موجود فى زمن الغياب الموجع.. انفخ عصاك السحرية لتتراقص حيّات البهجة والدهشة.. تحرّر من ترف الاكتئاب والعزوف عن العطاء.

فتّش عن الحقيقة عارية من مساحيق المصلحة، والنفاق الاجتماعى ولقمة العيش.

 

الحقيقة تسكنك، أنت من يمنح «الشرعية» لأى قيادة، ويهب المصداقية للكلمة، مقروءة كانت أم مرئية.. فلا تنتظر «مكافأة» من أحد.. ولا تتوقع «نيشاناً» من المعارضة.

 

كن نفسك كما أنت، ثائراً على الظلم، باحثاً عن العدالة. كن فيلسوفاً يحول هزائمه إلى نقطة انطلاق.. كن شاعراً يضم الوطن فى بيت شعر.. لا تقبل تبريراتنا المزمنة، ولا تراهن على الجواد الخاسر.

 

درّب عقلك على قبول البشر رغم تشوهات البعض.. تعلم فن الاختلاف.. وتعامل مع الخطاب الدينى المتطرف بعقلية نقدية.

 

«المواطن المصرى» هو بطل المرحلة، هو من يسطر التاريخ بإرادته، ويغيّر مجرى النهر حتى لا تعطش الأرض.

 

فكن عاشقاً للجمال، للحب.. العشق هو ما يجعل الإنسان إنساناً.

 

فجّر طاقة الشباب المخزونة بداخلك، حتى لو كنت بسن الستين، تصالح مع أخطائك.. نزواتك.. حماقاتك الصغيرة.

 

لا تجعل الوطن منفى اختيارياً، تعانى فيه الاغتراب، وتعيش على هامش الحياة.. صالح نفسك.. سامحها.. تجاوز عن نزقها.. وأطلق جنونها لتستعيد حماسك القديم.. أو ربما تهورك. الجنون إبداع خاص، يحطم قيود المكانة الاجتماعية ووقار السن.. فلا معنى لأن تحطم أصنام السياسة وتحاصر نفسك بتابوهات صنعناها بأنفسنا لنركع لها.

 

نحن بحاجة إلى ثورة على المألوف والمعتاد، ثورة على بعض القيم والعادات الاجتماعية التى جعلتنا تماثيل من شمع.. لا تحس إلا ألم الاحتراق.

 

نحن بحاجة إلى مجتمع حر.. لا يؤثم صوت المرأة.. ولا يجرّم حرية الإبداع.. ولا يصادر الآخر أو يكفره!

 

مجتمع طارد للزيف السياسى.. خالٍ من التحرش الجنسى والفكرى.

 

فالثورات التى عشناها، بل صنعناها، ليست تغيير النظام السياسى فحسب، بل تحطيم قضبان السجن الاجتماعى الكبير الذى نُجلد فيه باسم العيب مرة وباسم الدين آلاف المرات!

تقلا عن الوطن