محرر الأقباط متحدون
في إطار زيارته الرسولية الأبوية الأولى إلى المؤمنين في نيوزيلندا احتفل غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، أمس الأحد بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد التاسع بعد عيد العنصرة، وذلك في كنيسة القديس توماس مور في مدينة أوكلاند Auckland، في نيوزيلندا.

وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، عبّر غبطة أبينا البطريرك عن "السرور الكبير بلقائكم والاحتفال معكم بهذا القداس ضمن زيارتنا الأبوية الراعوية الأولى إلى نيوزيلندا، وفي ختام زيارتنا التفقّدية إلى المؤمنين في أستراليا ونيوزيلندا، يرافقنا صاحبا السيادة والآباء الكهنة، وها نحن في لقائنا الأبوي الرائع هذا، نشهد للمحبّة التي يطلبها الرب يسوع منّا. ففي سفر أعمال الرسل، نجد أنّ التلاميذ، تلاميذ يسوع، كانوا يُعرَفون بأنّهم مسيحيون لأنّهم كانوا يحبّون بعضهم بعضاً. إيماننا المسيحي، إذاً، مؤسَّس على المحبّة، ونحن نعلم ونسمع وننشد المحبّة، وكأنّ المحبّة أمر سهل، لكنّنا نعي أنّها تتطلّب جهداً وقداسة حتّى نعرف أن نقبل الآخرين ونحبّهم كما نحبّ الله تعالى".

ونوّه غبطته إلى أنّه "في الرسالة إلى العبرانيين، يذكّرنا كاتب هذه الرسالة بأنّ الله هو أبونا، وبأنّنا أبناء وبنات له، وهذا يميّزنا نحن في الإيمان المسيحي، فالله لم يبقَ ذاك الكائن القادر على كلّ شيء، والذي كأنّه يسرّ بإدانة الناس، ولكنّ الله هو أب ونحن أبناؤه، وتعرفون علاقة الأب بالأبناء والبنات. أنتم تعيشون هذه العلاقة في عائلاتكم، وهي تتطلّب الصبر والاحتمال والتفهُّم لأولادنا وشبّاننا وشابّاتنا، وحتّى أيضاً للزوجين، وتعرفون كم هي الصعوبات والتحدّيات التي تجابهونها أنتم بأنفسكم في هذا البلد الجميل والمضياف، ولكنّ العقلية والثقافة قد تختلف عمّا تربّينا عليه، وهنا يبرز موضوع كيفية التأقلم والدخول في هذه الحضارة الجديدة".

واعتبر غبطته أنّ "الله هو أب، ونحن نشتاق إلى أن نلتقي بهذا الأب، لأنّه ليس لنا مكان دائم على هذه الأرض الفانية. فالقديس أوغسطينوس، وهو من آباء الكنيسة في القرنين الرابع والخامس في شمال أفريقيا، في الجزائر اليوم، يقول في كتابه The Confessions الإعترافات: خلقْتَنا لكَ يا رب، وقلبنا لن يستريح إلى أن يستقرّ فيكَ. وهذا الأمر يذكّرنا أنّ علينا أن نحيا مع الله كأبناء وبنات له".

ولفت غبطته إلى أنّه "في الإنجيل المقدس الذي سمعناه بحسب القديس مرقس، كلام خطير جداً للرب يسوع الذي يشير إلى أنّ كلّ الخطايا تُغفَر، ما عدا التجديف على الروح القدس. نتساءل اليوم ما هو التجديف على الروح القدس؟ يعتبر اللاهوتيون وعلماء الكنيسة المقدسة أنّ التجديف على الروح القدس هو الإصرار بعناد على عدم قبول الحقيقة الإيمانية، والتمسُّك برأينا حتّى حين يكون خاطئاً، من دون أن نتواضع ونقرّ بخطئنا ونقبل الحقيقة. وهذا الأمر ينطبق على زمن الرب يسوع أيضاً، على الذين كانوا يشكّون بيسوع ويطلبون منه أن يكفّ عن الكرازة، حتّى من ذويه وأهله، من أهل الناصرة، وليس فقط أولئك الذين كانوا يعادونه من كبار الفريسيين والكتبة، لماذا؟ لأنّه كان يعلّم بكلّ وضوح أنّ الله هو محبّة، وأنّه يريد أن يخلّص البشر أجمعين، وتأنُّسه هو، كلمة الله، أكبر مثال على محبّة الله".

ودعا غبطته المؤمنين إلى "أن نكون متواضعين، وأن نقبل الحقيقة، وتعرفون كم تؤثّر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ليس فقط بين الناس، بين المؤمنين، لكن حتّى في الكنيسة، فالانتقادات اللاذعة من دون أيّ حرج على الكنيسة لا تبني بل تهدم. ومثلما جاء في الإنجيل المقدس: كلّ بيت ينقسم على ذاته، على حدّ قول الرب يسوع، هو بيت مُعَدّ للزوال. فعلينا، نحن أيضاً، كمسيحيين من بلاد المشرق، من بلادنا التي تهجّرنا منها، أكان من العراق وسوريا ومصر ولبنان، أن نتحلّى بهذه الفضيلة، فضيلة الإقرار بأنّ ما قَسَمَ المسيحيين من جراء عدم المحبّة أوصلهم إلى هذا الضعف والتشتُّت. لذلك، عليكم، أنتم الأهل، أن تنشروا دائماً حولكم المحبّة والسلام، وذلك بقبول الواحد للآخر، ليس فقط بالكلام، ولكن أيضاً بالفعل الحياتي الذي يعيشه".

وختم غبطته موعظته ضارعاً "إلى الرب يسوع أن يباركنا جميعاً، ويبارك صغارنا الأحبّاء وشبّاننا وشابّاتنا وجماعتنا المؤمنة، حتّى نكون شهوداً حقيقيين لمحبّة الرب. نسأله تعالى، هو الذي جمعَنا في هذا المساء في بيت الله، أن يقوّي فينا المحبّة الحقيقية التي تجعلنا نُعرَف أنّنا تلاميذه، في هذا المجتمع الموجَّه نحو العلمنة الهادمة".