أحمد الخميسي
يعتقد الكثيرون وكنت واحدا منهم أنه أمسى من الصعب أن تدهشنا الحياة بأي شيء، لكن الست صوفيا زادة أثبتت لي في برامجها التلفزيونية أن الدنيا مازالت قادرة على إصابتنا بالذهول والتعجب. والحق أنه بالمصادفة وحدها وقعت عيني على برامجها التي تتحدث فيها، وتقدم نفسها على أنها " دكتورة علم نفس وتفسير أحلام" ، مع أنه ليس ثمة علم مستقل في أي جامعة باسم تدريس الأحلام، لكن الأحلام تندرج في إطار قضايا علم النفس مثلما هي الحال عند كارل يونج وغيره.

وقد أدهشني انتشار برامج الست صوفيا، وكثرة استضافتها لتدلي بدلوها في كل شيء، ولكي تعرف ما أقصده إليك تفسيرها مثلا لجذور اسم دولة " العراق"، فهي تقول بجرأة يحسد عليها الصخر والحديد إن اسم العراق مأخوذ من " العراك، أي المشاجرة"! بينما جاء من زمان في معجم البلدان لياقوت الحموي أن العراق سمي هكذا لأنه يقع على شاطئ دجلة والفرات، وكان العرب يسمون كل ما يقع قرب البحر عراقا. أما ألمانيا فهو على حد قولها اسم مشتق من:" الألم، المعاناة، التعب "! بينما تم الأخذ بالاسم لأن أكبر قبائل الجيرمان كانت تسمى الألمان. ولك أن تنظر إلى وجه السيدة الدكتورة صوفيا وهي تدلي بكل تلك المعلومات المبتكرة، فترى وجه إنسان أفنى عمره في العلوم، ويهب الناس الآن خلاصة معارفه الذهبية. وتضيف الست صوفيا أن اسم فرنسا جاء من الفعل " فر" ، وباريس من كلمة " بار"، لأنها بلد الخمور! بينما جاء اسم فرنسا من كلمة قديمة هي " فرانكا " التي تعني القوة.

ولا تدهشك الدنيا فقط بجرأة الست صوفيا، لكن بأمارات الانبهار على وجوه المذيعات الجالسات إليها وهن يتلقين العلم على أصوله من الست صوفيا، علما بأن هناك كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي الذي وضعه عام 1220 ميلادية أي من نحو ألف سنة وعد موسوعة في أحوال البلدان وأسمائها، وتلى ذلك كتاب الفيلسوف الفرنسي" أوزيب سالفرت " بعنوان: " دارسة تاريخية وفلسفية في أسماء الأفراد والشعوب والأماكن" عام 1823، ولكن لماذا نتعب أنفسنا وقد صرنا دكاترة في كل شيء؟ اليس من الأسهل أن نقول أن اسم ألمانيا مأخوذ من الألم مادام ذلك الدجل يضعنا في صدارة البرامج المرئية ، فنضع ساقا على ساق وجهلا على جهل ونقول ما نشاء ؟! وتتسع علوم الدكتورة التي يكتب أحيانا أنها مصرية وأحيانا أنها مغربية، فتفسر الأحلام بدقة متناهية، وقد تعجبت من الصفاقة غير المحدودة ، لكن ما أثار دهشتي ليس فقط استضافتها بكثرة في البرامج التلفزيونية بل وأن بعض كبريات الصحف المصرية نشرت أسئلة القراء بشأن الأحلام موجهة للدكتورة صوفيا، وإجابات العالمة الفاضلة التي أفنت عمرها في الجهل العميق. وثمة كتاب شهير في موضوع تفسير الأحلام هو كتاب ابن سيرين الذي توفي عام 729 ميلادية وترك كتابه الأشهر، الذي لا يتجاوز حدود التخمين، ومحاولات فك رموز العقل الباطن، لكنه لا يدخل في باب العلم من ألفه إلى يائه. على أي حال لم تدهشني فقط جرأة الدكتورة وعبقرية

 أفكارها الخاصة بان اسم باريس مشتق من كلمة " بار "، لكن أدهشتني بالدرجة نفسها انتشار برامجها التي تدلو على أن هناك مشاهدين يتابعون ذلك الهراء بنهم مما يجعل التلفزيون حريصا على استضافتها، وليس لذلك النهم الجماهيري من معنى سوى أننا لم ننتصر بعد في معركة التنوير، ونشر العلم، وربما تكون عبقريات الست صوفيا دافعا يقودنا لكي ننشط في مجالات التنوير والعلم. ، وقديما قال أحدهم إن الفضل في تطوير صناعة الأقفال يعود إلى لصوص المنازل، وقد يعود الفضل في تطوير التنوير إلى رموز الجهل العميق، ورب صوفيا نافعة.
نقلا عن الدستور