وريث ---مدرسة الأسكندرية اللاهوتية
القمص اثناسيوس فهمي جورج
تعتبر الستة والستون سنة التي بين ميلاده سنة ٣٧٨م ؛ وبين نياحته سنة ٤٤٤م ؛ هي الفترة التي وصل فيها الكرسي العريق الذي للقديس مرقس الكاروز  الي ذروة عظمته " منذ بطريركية الرسولي اثناسيوس الكبير  بلوغا  ببطريركية تاوفيلس  وكيرلس عمود الدين "  ؛ ومنذ توليه هو شخصيا خدمة البطريركية في سنة ٤١٢ م - حيث لم تكن مهمته سهلة وسط مخاطر واجواء مشحونة ؛ حتي ان قضية المسيحية الارثوذكسية كانت ستتعرض لعواقب وخيمة لو ان الكرسي السكندري  ؛ يخدمه  من هو اقل فاعلية وسهرا منه . صار كيرلس العظيم ابا للكنيسة كلها ؛ في جو وثني مرعب وانتهاكات وهجمات نهب و اعتداءات مضطهدين ؛ وسط تنامي الافلاطونية الحديثة ؛ واخطار تحرشات الوثنيين والهراطقة ...مما حدا  بالقديس كيرلس ان يقدم لهم  دفاعات مؤثرة تقابلهم علي ارضهم وبنفس ثقافتهم المعاصرة  ؛ اي بنفس اسلوبهم في كتابه المسمي ( ضد يوليانوس ) ؛ ويدحض مخاطر الوثنية مرات ومرات في عظاته وكتاباته .

مفندا النسطورية والابولينارية  ايضا في يقظة وتلهف رعوي لا يكل ؛ مقدما علما ودفاعا علميا للمشاكل اللاهوتية المثارة في زمانه .لقد كان واستمر كرسي الاسكندرية منذ بداية المسيحية الكرسي الحقيقي للحكمة ؛ بكل معونة واهتمام امين .سالت من قلم كيرلس الكبير ومن قلبه الغيرة علي الامانة الارثوذكسية ؛ وهو لم يعرف التعب بتتابع سريع ؛ فانجز مقالاته الجدلية وسلاسله الذهبية  "   " "Cataena Orea "  وشروحاته المختارة ( جلافيرا  Γλαφυρά )  Glaphyre  ورسائله القوية الدفاعية والعقيدية "  epistola dogmatica  " والتي تحمل ادله غيرته الرسولية .

انه اسقفا عظيما بالحق ليس بالنسبة لكرسيه ؛ بل للكنيسة الجامعة في العالم كله .فقد امتلك مواهب انضجتها خبرة الروح القدس وصقلتها خبرة الايام ؛ فبمرور السنين قدم هذا الرئيس - الذي كان يدعي فرعون مصر - البراهين تلو البراهين علي صبره وتقواه واتساع صدره ؛ مدفوعا برغبة المحافظة علي وديعة الايمان نقية سليمة ؛ محبا للسلام ممقتا للخصومات والمنازعات ؛ محبا للاتفاق والوفاق اكثر من اي شيء؛ إمينا علي العقيدة المقدسة شارحا  لعقيدة الاتحاد الاقنومي  Καθ υποσασιν ؛ ومدافعا  عن عقيدة العذراء والدة الاله  Θεοτόκος   ،  ولاجل عقيدة الكنيسة  استعد لاحتمال الاهانات والاشاعات والمظالم ؛ شريطة ان يبقي الايمان غير معرض لخطر التشوية ؛ فبالرغم من اشفاقه علي نسطور لكنه لن ولم  يتركه مستمرا في غيه الهرطوقي .. كارزا بالحق مجاهدا عن التقليد الرسولي  حتي الموت . تعليمه ليس تعليما مدرسيا Scholastic او موضوعيا  Objective  بل تعليما لاهوتيا يفيض بالحق الالهي في اعماق شركة ذاتية وخبرة نسك و عشرة واستعداد  . كذلك شروحاته الكتابية عميقة الفكر زاخرة المباديء واضحة الحجة دقيقة التعبير  ؛ وتبرهنت بها موهبته التاملية الجدلية Speculative - dialectic  ؛ وهذه جعلت كتاباته تشغل المكانة الاولي في تاريخ العقيدة والتعليم المسيحي  . 

   فهو المعلم الذي استوعب معارف مدرسة الاسكندرية اللاهوتية التي كانت في اوج مجدها  ، وهو ايضا الراهب الذي تتلمذ للقديس سرابيون المشهود له بالحكمة ، فاجتمعت فيه العلوم الكنسية مع الاداب الرهبانية والحياة النسكية ، بالإضافة الي الذكاء الخارق والذهن الحاضر والواعي الذي جعله غيورا متقدا في رعايته .. وهو ايضا التلميذ المخلص لمباديء وكتابات اثناسيوس الرسولي ، تلك البصمة الواضحة في المجلدات العشرة التي ضمتها مجموعة ميني Migne Patrologia Craeca  اليونانية من رقم ٦٨ -  ٧٧  - PG Migne ,vol.  68 - 77  . فقد تميزت كتاباته غاية في القوة والروعة ، وبالقدرة علي استنباط البراهين الدامغة من شهادات آباء الكنيسة السابقين مؤيدة بالاسانيد الكتابية من العهدين القديم والجديد  .لقد ارسي اسس اللاهوت المسيحي العملي والعلمي ..طوباك ابا كيرلس الكبير المدافع في أعمال سيرتك و خدمتك ورعايتك حتي يوم نياحتك .... ان اسمك عظيم في كل كورة مصر  وفي اقطار المسكونة  ، وستبقي متكلما الي يوم مجيئ المسيح ربنا ومليكنا له كل المجد مع ابيه الصالح والروح القدس .