محمد حسين يونس
ننتمي إلي فصيلة حيوانية فقارية لبنية يطلق عليها الانسان ..تمارس الجنس..و تحبل الأنثي لمدة تسعة شهور و تلد مثل باقي الحيوانات .. الثديية
و لكن الانسان هذا هو الكائن الوحيد الذى يعي ما يدور حوله خارج المسار الاجبارى للغريزة ..و هو الذى يمكنه أن يعبر عن نفسه بالكلمات و بحركات الجسد فيفهمة الاخرون من نفس فصيلته
الانسان كائنا مميزا فعلا علي هذا الكوكب رغم أنه جاء متأخرا فلو تصورنا أن فترة تواجد الأرض في الكون و ما نمي عليها هي 24 ساعة فالإنسان بكامل حضارتة يشغل الثانية الأخيرة من هذه الساعات
..و لكنه بسبب هذا التميز يعيش داخل سجون ( المجتمع و الدين و الأسرة و العمل ) صنعها لنفسة تمنعة من الحياة النبيلة الراقية التي تليق بفكرة و عقلة وتفوق جنسه و تميزة عن باقي الكائنات .
أهم هذه القيود أنه بشكل دائم يحتاج لأن يعيش في جماعة ما .. يتبادل معها .. الامن .. و المنافع ..و الاحتياجات ... فهو بدون الجماعة ضعيف .. يسهل لاى حيوان أو حشرة أو حتي ميكروب إغتيالة و تصفيته .
لذلك هو حريص منذ ضعف طفولته حتي ضعف شيخوخته ..أن يكون داخل قلعة حصينة وجد نفسة ينمو بين أفرادها .
المجتمع مصدر قوة الفرد .. و الفرد هو الخلية الاساسية المكونة لنسيج المجتمع ..
بمعني أن علي الفرد تحت كل الظروف أن يندمج في محتمع ..في نفس الوقت ينضبط لما يضعه هذا المجتمع من القيود والقواعد و القوانين و الاعراف التي تضمن الحياة لأفراده في سلام و إنتاج و إزدهار و (سعادة ) تلك الكلمة الغامضة التي يصعب تعريفها أو مزاولتها في معظم التجمعات و بين كل الاعمار .
المجتمع.. عبر الزمن تتحدد مساحته (حدوده ) طبقا لتطور وسائل الاتصال.. بدأت بالقبيلة ، ثم القرية عندما كان التواصل بالسير علي ألاقدام أو إستخدام الدواب ..
فالمدينة ، و القطر بإستخدام العربات و القطار و المركب الشراعي ، ثم الدولة فالاتحاد الفيدرالي بين الشعوب بإستخدام الطائرة و الباخرة .. ثم التجمع الانساني الواسع ..بإستخدام الوسائط الإلكترونية .. والاقمار والذكاء الصناعي و الصواريخ .العابرة للقارات .
عند تواجدك داخل أى من هذه الانماط و تعريفك لها بأنها وطنك .. فقد وضعت علي نفسك قيودا مرتبطة .. به و بقوانينه و أعرافة .. و إسلوبه في الحياة و قدرته علي التطور أو النكوص..
و عليك أن تكون مستعدا..للتضحية و الولاء وخوض حروب خارجية و داخلية بإسم الوطنية لن تكون أنت من يجني ثمارها
كما أنك ستزاول بشكل يومي صراعا طبقيا مع من يمتلكون الثروة و السلطة و القرار قد لا يكون في صالحك...و قد تعوق أو تفني أو تسجن أو تضطهد ثم يحصل أخرون علي المكاسب .
الإنسان يعيش في مجتمعه في حالة وحدة ..و صراع .. لا يستغني عنة و في نفس الوقت يصارع كي يحصل علي أعلي إستفادة باقل جهد .. يستغل الاخرين و يوظفهم لصالحة أو يقاوم هذا الإستغلال .
الوطن و التعصب له .. و التضحية ..من أجله قد يكون هو القيد الاول المانع في أن يكون أفراده بشرا ..
إنه يوسمهم بخاتمه .. يبعدهم عن إنتماءهم الانساني الاصلي .. فنكون أفارقة أو أسيويون أو أمريكان أو أوربيون .. ثم نصبح عربا أو أكرادا أو أمازيج أو هنودا أو مغولا.. ثم ننقسم إلي شعوب .. مصريون .. شوام .. لاتين .. فرنسيون .. إنجليز .. أيرلنديون .. ثم نزيد في التفكك فنصبح من الصعيد أو من السواحل أو الأسكندرنية .. حتي يتضاءل موقعنا فيصبح الإنتماء لأسرة محدودة العدد و التاثير .
بكلمات أخرى يصبح للفرد سلسلة من الانتماءات تضله عن التعرف علي إنتماءه الاساسي بأنه إنسان ..فيخوض معارك و صراعات ضارية ضد من هم من نفس نوعة حيوانات فقارية لبنية ناطقة عاقلة هي أرقي ما يعيش علي سطح الارض..و هو لا يعرف أنه مساق في هذا الصراع لصالح طبقة أو افراد ضللوه بإسم الوطنية و الإنتماء و إستخدموه لكي يزيدوا من نفوذهم و سلطتهم و قبضتهم .
قيود الوطن .. لا تعني فقط الانتماء .. بل تعني الحياة الداخلية للمواطن لغة تخاطب و تقاليد و إسلوب حياة و مشاركة إجتماعية في مشاكله و أفراح بنجاحاته .. و البكاء مع سماع النشيد الوطني أو رؤية رايته ترفرف علي حصون الأعداء
و في الحقيقة مع قليل من التفكير
الانتماءات القومية..الحاجبة للرؤية هي أشراك خداعية للشخص السوى .. الذى علية أن يسعي ليعيش في المكان الذى يضمن له حريته و إحترامة وسيادة العدل بين نظراءه من المواطنين .
فإذا ما كان هذا الانتماء سيورثه المذلة و الاضطهاد و الهوان .. فأرض البشر واسعه حتي لو إضطر للحياة في الصحارى كراهب أو في الغابات كمغامر ..
إن تسلط فئة ما أو طبقة أو عصابة أوليجاركية علي مصائر المواطنين .. هي وصمة عارمستمرة في جبين الزمن و المكان و علي الانسان التخلص من قيد الوطن .. ما دام يعاني داخلة من الظلم و التفرقة و ضيق مصادر الحياة
لابد من التخلص من غوايته..و تسخيرة للناس من أجل فئة متميزة .. حتي يسمو البشرى و يصبح إنسانا .أى أرقي كائن بيولوجي يعيش علي الارض فلا تبخسوا من شأنه بالرضي بالجور و الظلم و التهميش .
.. إذا كان قيد الوطن أو الانتماء ضرورة وجود .. فإن قيد العقيدة ( قدر) يصيب الجميع منذ لحظة الميلاد حتي إصدار شهادة مغادرة الحياة..
لماذا هو قدر لان الطفل الذى يولد لا حول له و لا قوة .. يجد نفسة و قد أصبح أحد توابع دين الوالدين ..يصلي مثلهم ..و يصوم مثلهم .. و يحفظ أجزاء من كتبه المقدسة ..و يوقر الكاهن ..و يزور المعبد في خشوع ..و يلجأ إلي ربه في الأزمات و الشدائد ...
الشخص منا ينمو .. و هو علي دين لم يختاره أو حتي يتعرف عليه مليا أو يناقش تفاصيلة ..وهو يسلم أذنه و عقلة .. لم يعرفون أكثر من الكهنة و الناصحين .. يصبغونه بصبغتهم
تغيير هذا الانتماء شيء شديد الندرة .. و إذا ما كان التغيير بسبب علاقات منطقية عقلانية لدى الفرد .. فهو ندرة الندرة لا يستطيعه إلا الافذاذ أو المجانين .
الدين قديم قدم التفكير و العقل لدى البشر ..لقد كان الملجأ الذى يجيب علي كل تساؤلاتهم و يفسر لهم ظواهر حياتهم .. و يتنبأ بمستقبلهم ..و يحفظ العلاقات البشرية من الأنانية و التفكك ..و يضع حدود الخير و الشر ..
من أطاع فقد أفلح و من عصي فقد صلته بالمجموع ..و ضاعت منه الدنيا و الاخرة .
أديان البشر جميعها ..و تنويعتها و تفرعاتها من ملل و بطون .. تكونت (وجدت ) أصولها منذ الاف السنين في زمن طفولة البشرية .. لذلك تحمل (جميعها ) .. اثار تلك الفترة التي كان يؤمن البشر فيها بالمعجزة .. و القدرات الخارقة لكائنات غيرمعلومة متواجدة خارج مستوى إستيعابهم أو فهمهم
...و هو أمر غير مطروق اليوم فالمعجزة لابد أن يكون لها اسباب طبيعية أو كيميائية أو منطقية لكي يستوعبها أبناء الزمن الحالي
أغلب سكان الأرض حصلوا علي أديانهم.. بنفس الطريقة ..الإمتصاص من المجتمع و التصديق بما تقوله الأم .. و يعتبرون أديان الأخرين خاطئة .. يدارى النطق بهذا البعض ..و يقوله أخرون صراحة إنها (( لا تستحق النظرأو المناقشة )).
سبب ذلك أن الاالأسرة و المدرسة و الكاهن و المعبد يؤصلون لدى الطفل ، الصبية والصبي، الفتاة و الفتي .. إيمانا غيبيا غير قابل للمناقشة أو لا يخضع لاى منطق أو تفكير مثل ذلك الذى تمناه (الرازى النيسبورى من الله )
يحكي أنه ((في نيسبور مر الرازي يوما علي إمرأة عجوز وكان تلاميذه يمشون وراءه بالعشرات ما يقول كلمة إلا ويكتبوها ، فتعجبت العجوز ونادت علي واحد من التلاميذ قائلة يا ( يا بني من هذا ) فغضب وقال أما عرفتيه هذا الإمام الرااااااااااازي الذي عنده ألف دليل علي وجود الله تعالى.
هنا قالت العجوز قولتها الشهيرة (يا بني لو لم يكن عنده ألف شك وشك ما إحتاج لألف دليل ودليل ،
أفي الله شك ) .. فلما بلغ هذا الإمام الرازي قال ( اللهم إيمانا كإيمان العجائز.).
و هكذا في القرن الحادى و العشرين يحتاج المؤمن إلي ايمان العجائز.. كمنحه من الرب كما قال لي البابا كيرلس .. ((مثلما يخترق شعاع الشمس الزجاج و يدفيء الحجرة .. يخترق الإيمان القلب و يهدى المؤمن ))... أو كما قال لي الشبخ الصاوى شعلان شيخ مشايخ الطرق الصوفية في نفس الزمن .. ((الإيمان هبة من الرب لأبناءة المخلصين .))
نحن كبشر محاطين بمعجزات و إنجازات العلم لذلك نحتاج فعلا لإيمان العجائز .. لنستطيع تقبل التناقض في أمور عديدة .. بين العلم و الدين ...
صدقوني كل من قال أنهما متوافقان أو متطابقان يجهل معني العلم .. و لم يشعر دفء االروحينيات و يريد أن يخضع الإيمان للتجارب المعملية و النقض المنطقي .
الذى يبق الأديان قوية و مسيطرة هكذا علي معظم البشر .. في زمن العلم و الشك الفلسفي .. ثلاثة عوامل أن السياسي ألذى يظلم الناس و يسرقهم ..و يستنزفهم .. لن يجد مبررا إلا أنها إرادة السماء تعطي و تمنع ..و لا دخل له بذلك ...لو لم يحدث هذا .. لما توقفت الثورات يوما .
العامل الثاني أن طفوس الدين خصوصا الإحتفالات في المواسم والحج و مستلزماته عمل إقتصادى ضخم .. يدر أموال عديدة علي تجار الأديان الثلاثة الكبرى سواء عند الكاثوليك في الفاتيكان أوالمسلمين في مكة و المدينة .. أو الهندوس في الهند .. إنه باب رزق واسع لعديد من البشر .. و اليوم تتسع دوائرالربحية بالبرامج التلفزيونية و الإلكترونة التي يقدمونها للمؤمنين .
العامل الثالث هو أن الإيمان .. يجيب علي الأسئلة الوجودية عن الكون و الخلق و السبب و المصير .. إجابات سهلة ..و مبسطة .. و يقينية ..تجعل من محدودى الذكاء علماء يفسرون ما يحدث في الكون
في حين أن العلم .. يتردد و يشرح و يلزم المستمع أن يكون متعلما .. و لدية ..أدوات المنطق لذلك فإجابات العلم محصورة بين العلماء و جوائز نوبل ..و الدراسات الأكاديمية .
.و هو أمر يصعب علي أغلب سكان هذا الكوكب خصوصا الأمهات من أنصاف المتعلمات اللائي يلقن الأبناء من الطفولة قواعد الأخلاق الحميدة
البعض يتصور أن الدين هو اليهودية و المسيحية و الإسلام ..و ينفر نفورا كاملا من إعتبار عقائد الأخرين قديمة و حديثة أديان و يجادل في أنها كفر و ضلال .. رغم أن أغلب المجادلين لم يتعرفوا علي الهندوسية أو البوذية أو زرادشيت و لاوتسي أو عبادة الطواطم و معجزات الشامان .. أو تطور طقوس سكان أمريكا الاصليين من أنكا و مايا و شيروكي وغيرهم ..
إنهم يرفضونهم بدون إبداء الاسباب سوى أن أى قوم غيرهم من الكفار يخرفون و لا نحتاج لدراسة ما يقولون ثم يوسمون مليارات البشربأنهم علي ضلال
العقيدة التي يعتبر كل منا أنها الوحيدة الصحيحة و يحرم الاخري من هذا الشرف .. هي قيد أخر من القيود التي تكبل البشر و تحد من قدرتهم علي أن يطوروا من افكارهم وتجعلهم يتوقفون عن متابعة التطور العلمي و الثقافي و يطورون سلوكياتهم إلي المستوى الانساني .
وهكذا نفهم أنه بالرغم من كون العقيدة كان لها وظيفتها التاريخية الهامة في زمن وجودها وقد يكون هذا مستمرا حتي اليوم بين العديد من الناس ..إلا أن هذه الوظيفة تختلف من شخص لاخر ..
و يصبح في النهاية هذا ( القدر ) علاقة شخصية بين الفرد وربه.. لا تخرج بعيدا عن المعبد و القلب .. و إلا تحولت ( كما يحدث دوما ) إلي وسيلة تبشيرية لنزح الثروات و تسكين الناس المضطهدة و أداة لإستغلال البعض و تسخيرهم ودافع للإختلاف و الانفصام عن غير المؤمنين حاضا علي التنابذ ..مانعا من الانصهار البشرى لصالح تطور الانسانية. مثيرا للمعارك و الحروب .
إذا كان الوطن فرض ميلاد و العقيدة قدر وجود لابوين و مجتمع بعينة .. فإن تحول الفرد من عضو ثانوى تابع لعائلة الام إلي عضو أساسي مكونا لعائلة أخرى (أو عائلات متعددة الزوجات ) هو قيد إختيارى قد يلازم الشحص طويلا و يستنزف طاقته و قدراته .. وحياته .. ليستيقظ يوما فيجد أن كل ما بذل من جهد قد تبخر و أن العائلة او العائلات التي سلمها جهدة و أمواله .. نتج عنها من يلعنونه ويضرون به و ينكرونه مثل بنات (الملك لير) ..
قد يعتبرالبعض أن هذا النظام سنة الحياة ولكنه الواقع أن الشخص (أم أو أب ) الذى يجعل جل همة هو خلفة و تربية الابناء فيشقي ليل نهار هو شخص قد قرر أن يكثف من قيودة مع كل طفل جديد .. و ينسي أن يعيش أيامة
لذلك فالناس في بلاد الواق الواق .. لم تعد تسير علي نظام الأجداد ولا ترى أن الأسرة عماد المجتمع .
الانسان منذ أن وعي إختلافة عن الحيوان حتي يومنا هذا قام يتوزيع العمل الاجتماعي المطلوب بشكل غير عادل يسمح بالراحة و التنعم لمن يبذل أقل جهد .. و الفاقة و الحرمان و الكد لمن يبذل أقصي جهد .. إنها (قسمة ضيزي ) الملوك والحكام والكهنة و الجباة .. لهم الوفرة .. و الزراع و الصناع و المنتجين لهم أقل القليل .. إنه قانون غير عادل .. و لا يمكن تغييرة أو تعديلة إلا بجهد واسع للإنتقال من طبقة لطبقة .
في ظل هذا يصبح العمل قيد لا فكاك منه إلا بالموت في ظل مجتمعات العبودية و الاقطاع و الاستعمارية والرأسماية بكل أنواعها ويصبح الانهاك في العمل من أجل إطعام السادة .. سلوكا مرفوضا من هؤلاء الذين يرون للإنسانية مستقبلا أفضل ..
نقلا عن الحوار المتمدن