مدحت بشاي
..ويسألونك عزيزى القارئ عن أسباب انتشار سلوكيات الخبص والغيبة والنميمة والافتنان بصناعة الشائعات وفنون صياغاتها الماكرة الخبيثة الشريرة التى قد تساهم بدورها فى نسج المؤامرات والتحايل على امتلاك القلوب والعقول بمعلومات مغشوشة عبر تسريبها بنعومة وبعبارات ملونة مصوغة برومانسية لا تخلو من دهاء.. فقل لهم بلا تردد هى سلوكيات سلبية كريهة تُعد فى الغالب نتاجًا طبيعيًا لاعتماد مجتمعى للكثير من منتجات الثقافة السمعية..
لقد عانينا كمواطنين من رجع صدى تلك الثقافة التى تنزع نحو التزويق الشكلى وتعظيم الذات فى آن واحد، فثمة ارتباط مظهرى بين الثقافة الشكلية القشرية وبين دعاة التأليه والتضخيم الذاتى المرضى، وهنا تكمن مأساتنا بشكل حصرى فى مدى ما يحصده هؤلاء من مكاسب بضم أتباع جدد كل يوم من المخدوعين البسطاء بقشور معارفهم الزائفة.
إنها «ثقافة النقل الشفاهى» وهى ليست بالجديدة فى مجتمعاتنا، فهى علل تناولها بالنقد والتوصيف أهل المعرفة والدراية بقضايا التنوير والرأى والكلمة حديثًا، فلطالما عانى المناخ الفكرى لدينا من أهل ثقافة جلسات المقاهى ومتابعى برامج الراديو والتلفاز ذات المواد الساذجة والأفكار المثيرة لعقول وأفئدة البسطاء منا، ومحل استهلاك زبائن حوارات التواصل الاجتماعى المزجنجية بما يفتكسونه من المداومة على طرح عناوين وبراويز ملونة لعبارات وصور لمشاهير يفاخرون بنشرها دون الغوص فى متن المدركات الأولية لمخزون ثقافى متكامل لديهم.
فى أزمنة الحضارات التاريخية الكبرى وفى الصدارة منها الحضارة المصرية القديمة، ومنذ بداية التاريخ الإنسانى، كان حرص الإنسان البدائى هائلًا على التدوين والكتابة والرصد لكل ما يحيط به ويعيش وقائعه، ولعل من أروع الأمثلة على ذلك الرسوم التى أبدعها على جدران الكهوف من الداخل وهى التى سجل بها معاركه مع كل الموجودات فى زمانه، منها صراعاته مع الحيوانات المفترسة، ورغم مشاعر الخوف والرعب التى كانت تمتلكه فقد حرص على رصد تفاصيل تلك المعارك على الجدران الداخلية لتلك الكهوف المظلمة تمامًا وبأدوات بدائية قام بتصنيعها ليبدع أجمل الأعمال التى اتسمت بروعة استيعابه قواعد وأساسيات علوم التشريح للجسم الإنسانى وكذلك أجساد الحيوانات، بل الأهم رسمها وهى فى حالة الحركة السريعة وكأننا أمام مشاهد سينمائية متلاحقة، ولم يرصد أى دارس للفنون أى أخطاء حرفية فى تلك الرسوم سوى ملاحظتهم فى بعض الكهوف وجود رسوم فوق رسوم نتيجة العمل فى عتمة حالكة!.
وها هى تلك الجداريات أمامنا الآن- بعد مرور كل تلك الآلاف من السنين- تنقل لنا بكل أمانة وصدق رسومًا هى أبجدية حروف قد تم فك شفرتها لتسرد لنا حكاوى حضارة بشرية مكتوبة ومرسومة رغم كل تلك الصعوبات، يقابلها الآن فى واقع الأمم المتراجعة حضاريًا وإنسانيًا ثقافة الاستسهال إلى حد الاستهبال فى بعض الأحيان باعتماد آليات العنعنة والنقل والاتباع دون إبداع أساليب جديدة للرصد والتقييم والتأريخ لتتماهى وتتواصل مع منجزات العصر الحديث من تقنيات أبدعها الغرب المتقدم حاليًا لنقصرها على أهداف استهلاكية ساذجة لتبقى ثقافة الشفاهة تمثل حالة مخزية للأسف.
ولعل من أمثلة شيوع ثقافة الخرافة والقابلية لتصديقها ما حدث فى عدد من الوقائع التى لم يكن يناسب تناولها إلا أيام العصر الحجرى، حين تحلق جمع هائل من البشر بجوار شجرة وصفها البعض بأنها معجزة ونسجوا حول بركاتها الحواديت!.
تحت عنوان «مصر فى حاجة لثورة ثقافية» كتب المفكر عادل حمودة فى جريدته الفجر غاضبًا مقاله بعناوين فرعية كرؤوس أقلام:
■ فقراء ومتعصبون ولا ننتج ونميل للتسول ونؤمن بالخرافة.
■ لدينا أكثر من ١٠٨ آلاف مسجد وزاوية و١٠ آلاف معهد أزهرى مقابل ١٤٠ جمعية ثقافية و٥٠ ألف قارئ سنويًا فقط.
■ ٥ ملايين لاجئ من ٦٠ دولة يعيشون فى مصر ويحولون مليارًا ونصف المليار دولار سنويًا إلى بلادهم بسبب تقاعسنا عن العمل.
ولا تعليق!!
نقلا عن المصرى اليوم