هاني لبيب
حسنًا، فعلت الحكومة عندما اعتذرت للمواطن المصرى عن أزمة انقطاع الكهرباء باعتباره حقه الوطنى، وهو موقف جديد ومقدر.. لم يكن له وجود من قبل. وتظل إدارة الأزمة هى الاختبار الحقيقى لقدرة الحكومة على تجاوز أزمة مجتمعية.
(قضية تغير الحالة المناخية تحتاج إلى حملة قومية للتوعية بتأثيرها فى سلوك المواطنين.. ليس فقط للحفاظ على حياتهم، ولكن لمواجهة وتجنب الأمراض والإصابات بسبب تغير شكل الحياة المعتاد. لا يمكن فصل الحالة المناخية عن الحفاظ على البيئة، كما لا يمكن فصلهما فى كل الأحوال عما سيترتب عليهما سواء بالتعارض أو الاشتباك أو التقاطع مع الحالة الاقتصادية).. كانت الكلمات السابقة هى آخر ما ختمت به مقال الأسبوع الماضى بعنوان «الصيف يأتى فى الشتاء والربيع يصل فى الخريف». وخلال هذا الأسبوع، واجهنا واحدة من كبرى أزمات انقطاع الكهرباء فى مصر. وهو ما عانت منه غالبية الشعب المصرى لتزامن ذلك مع امتحانات الثانوية العامة من جانب، وعدم قدرة بعض المواطنين على مختلف المستويات العمرية على تحمل ارتفاع درجات الحرارة من جانب آخر. ومن خلال ما سبق، وما حدث من محاولة استغلال ما حدث لبث روح البلبلة والانقسام، أود أن أسجل هنا بعض الأفكار التى تتشابك مع ما حدث.
أولًا: نعلم جميعًا دون استثناء أن هناك أسبابًا متعددة لأزمة انقطاع الكهرباء، وهى تختلف من دولة لأخرى، ولكن تبقى هناك بعض العوامل المشتركة، منها: التغير الحاد فى المناخ وموجات الحر غير المسبوقة على مستوى دول العالم وقاراته. وتراجع إنتاج بعض حقول النفط والبترول، مثل: حقل رونغليز بالمملكة المتحدة، وحقل كاندلستيك بكازاخستان، وحقل تاليميناى بالعراق، وحقل زاكوم العلوى بالإمارات. والحروب والنزاعات.. خاصة الحرب الأوكرانية- الروسية التى أدت إلى نقص إمدادات الغاز.
ثانيًا: من المعلوم أن أكبر قوتين فى العالم، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.. تعانيان أزمة انقطاع الكهرباء. وما نتج عن ذلك من خسائر اقتصادية ضخمة وصلت إلى ما يقرب كمثال فى أمريكا من ١٥٠ مليار دولار فى سنة ٢٠٢٣. وهو ما يؤكد أن أزمة الكهرباء يمتد تأثيرها واسع النطاق على الاقتصاد الوطنى للدول. الأمثلة السابقة ليست للمقارنة أو التبرير أو التهوين من حجم مشكلة انقطاع الكهرباء فى مصر. ولكن لإعطاء خلفية عما يحدث عالميًا.
ثالثًا: إذا كانت الحكومة قد اتخذت العديد من القرارات لاحتواء أزمة انقطاع الكهرباء بناء على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، فمن المتوقع خلال الفترة القادمة.. وجود سيناريوهات واضحة وعاجلة ضمن سيناريوهات أى أزمة تتعلق بالكهرباء سواء بزيادة نسبة الاحتياطيات من غاز تشغيل محطات توليد الكهرباء. وتحديد عدد ساعات تخفيف الأحمال بأدنى مدة ممكنة حتى تجاوز الأزمة من خلال توقيتات محددة معلنة بوضوح ليتخذ المواطن احتياطه. وتنفيذ إغلاق المحال جميعها دون استثناء أو تمييز، ومع السماح فقط للصيدليات والمحال المتخصصة فى بيع الطعام والشراب بالخروج من التحديد السابق.
رابعًا: على الحكومة الجديدة أن تستهدف بوضوح ضمن أولوياتها إعادة النظر- كما أكدت فى مقال الأسبوع الماضى- فى إعادة تحديد بناء كود البناء المصرى، ومواصفات صناعة الملابس، ومواصفات السيارات ومعاييرها، والمواصفات القياسية للأجهزة الكهربائية للمنازل والمصانع، وخريطة الصحة وما يرتبط من أمراض تغير المناخ، وخريطة المحاصيل الزراعية بما يتناسب مع درجات الحرارة الجديدة.. ليتناسب كل ما سبق مع تزايد ارتفاع درجات الحرارة ونسب الرطوبة.
خامسًا: تنفيذ حملة توعية شاملة.. تتضمن أساليب الحفاظ على الأجهزة الكهربائية التى عانى غالبيتنا من تلفها بسبب عدم فهم وإدراك التعامل مع الأجهزة المختلفة عند عودة التيار الكهربائى بعد توقيت تخفيف الأحمال. وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية للأسرة المصرية فى ظل الارتفاع الرهيب لأسعار الأجهزة المنزلية المعمرة.
نقطة ومن أول السطر..
حسنًا، فعلت الحكومة عندما اعتذرت للمواطن المصرى عن أزمة انقطاع الكهرباء باعتباره حقه الوطنى، وهو موقف جديد ومقدر.. لم يكن له وجود من قبل. وتظل إدارة الأزمة هى الاختبار الحقيقى لقدرة الحكومة على تجاوز أزمة مجتمعية.. لها أبعاد وجذور عالمية لا علاقة لنا بها بشكل مباشر.. سوى مواجهة تأثيراتها.
نقلا عن المصرى اليوم