سامح فوزي
فى غضون عام 2009، كنت بدأت العمل فى مكتبة الاسكندرية، وكان من ضمن ما قمت به فى البداية متابعة مشروع مشترك بين المكتبة، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، الذى كان يرأسه فى ذلك الحين الدكتور ماجد عثمان، وكنت أشارك فى اجتماعات دورية، مع زميلتى هبة الرافعى، بجوار كل من الراحل الدكتور محسن يوسف، والراحل الدكتور عبد الباسط عبد المعطى، والدكتور سمير رضوان، وعدد آخر من الباحثين والخبراء. منذ ذلك الحين، اقتربت من الدكتور ماجد عثمان، الذى لم أكن تعاملت معه من قبل رغم أننى تخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة التى يعمل بها أستاذا للأحصاء، ربما لأننى اخترت تخصصًا آخر هو العلوم السياسية. وعلى مدار أكثر من خمسة عشر عامًا تجددت اللقاءات مع الدكتور ماجد عثمان، وعملت معه فى مبادرات متنوعة. التقيت به فى لقاءات عامة، وجمعنى به جلسات خاصة، وتكونت لدى صورة عنه، ازدادت رسوخًا يوما بعد يوم.

الدكتور ماجد عثمان شخصية متفردة، له باع طويل فى تخصصه العلمى، وحين يدرك العالم أبعاد تخصصه، يسهل عليه أن يبحر به فى مجالات أخرى. ومن الدلائل على ذلك أنه لم يتعامل مع الاحصاء بوصفها أرقاما وجداول ورسومًا بيانية، لكنه يعطى لكل رقم مغزى اجتماعيا، أو حسب وصف الدكتور على الدين هلال - قام بأنسنة الإحصاء أو أنسنة الأرقام. وهو ما جعل الإحصاء تدخل فى نسيج الحياة، ولا تصبح علمًا غريبا ينشغل به عدد من المتخصصين على الهامش. بالتأكيد لا معنى لرقم ليس له دلالة فى فهم المجتمع بعلاقاته المتشابكة، فالارقام المطلقة أو المعلقة فى الهواء لا تعنى شيئا إن لم تدخل فى سياق مقارن اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا يعطيها المعنى والدلالة.

الدكتور ماجد عثمان، بخلاف تخصصه الذى جعله سهلا ميسورا على تلاميذه ومتابعيه، كما قالت عنه الدكتورة حنان جرجس، أبرز مساعديه، يمتاز بشخصية آسرة، هادئة، متأملة، بشوشة، متواضعة، لا تعرف الالتواء، ولا التعالى، بل يميل إلى الوضوح والصراحة، مما يشعرك بالارتياح النفسى عند التعامل معه، ولا تتحسب أن تفضى أمامه بشأن خاص يؤرقك. ولا أود أن أسترسل فى الحديث عن تدينه، والتزامه الاخلاقى، لأن هذه مسألة شخصية فى المقام الأول، لكن يكفى القول بأنه يمثل نموذجًا لشخص بارع فى تخصصه، عميق فى إدراكه للظواهر الاجتماعية، ويأتى البعد الاخلاقى فى حياته ليعطيه مسحة إنسانية عميقة.

الدكتور ماجد عثمان رجل دولة بالمعنى الحقيقى، تولى مواقع مهمة من بينها وزير الاتصالات فى ظروف سياسية بالغة التعقيد فى اعقاب 25 يناير 2011، وهو مثقف مصرى لامع فى العديد من المنتديات العلمية محليا ودوليا، له إسهامه المتميز، ويعرف ماذا يقول، ويدرك أبعاد ما يتحدث عنه، ويعى جيدا الغايات التنموية للدولة المصرية فى شتى المناحى. ومنذ سنوات يرأس المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، الذى يعد أول مركز مستقل لأبحاث الرأى العام فى مصر، وقد أصدر العديد من الدراسات والمسوح واستطلاعات الرأى التى جعلت الأرقام جزءا من نسيج التفكير فى الحالة العامة للمجتمع المصرى.

يوم الأربعاء الماضى، نظم محبوه وتلاميذه فى مركز «بصيرة» حفل تكريم له لحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، وهذه المرة الأولى التى يحصل على الجائزة استاذ فى مجال الاحصاء منذ خمسة وعشرين عامًا، حضره عدد من الوزراء والشخصيات العامة والاساتذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كانت مناسبة عبر فيها الحاضرون عن محبتهم له، وتقديرهم لمسيرته العلمية، وعطائه الوطنى، وأهم ما فيها أنها عبرت عن روح محبة حقيقية لم تكن مفتعلة، أو مصطنعة.  
نقلا عن الشروق