كتب - محرر الاقباط متحدون
القى المتروبوليت نقولا انطونيو مطران إرموبوليس (طنطا) وتوابعها للروم الارثوذكس عظة في كنيسة رؤساء الملائكة بمنطقة الظاهر-القاهرة، بمناسبة خميس صعود الرب بالجسد إلى السماء:
إن يسوع المسيح بعد صلبه وموته بالجسد المُؤله الحامل الحياة نزل إلى الجحيم وداس الموت بموته قام في اليوم الثالث، كما يقول لوقا الإنجيلي: "وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ" (لو 46:24).
وكما يقول بطرس الرسول عن رئيس الآباء داود النبي: "سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا. فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذلِكَ" (أع 31:2 و32). فبعد قيامة يسوع ما كان يعود ويموت ويرى جسده الحامل الحياة فسادًا، كما لعازر وطابيثا اللذان أقامهما يسوع من الموت وعادا وماتا ورأى جسدهما الفساد.
لذا بعد أن أكمل يسوع المسيح القائم من بين الأموات تدبيره الخلاصيّ على الأرض، عاد بارتفاعه إلى المجد السماويّ بالجبلة البشريّة المُمجّدة، جالساً عن يمين الجلال في الأعالي ومُجلِساً معه طبيعتنا البشريّة، كما يقول مرقص الرسول: "إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (مر 19:16). هذا الجلوس عن يمين الله الآب لا يعني جلوس حسيّ لأن الله يملأ الكل وليس له يمين أو يسار، بل يعني تمجيد هذا الجسد الحي المُؤله الذي أخذه المسيح- الله الابن، الكلمة الأزلية، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس- من أحشاء العذراء مريم والدة الإله. كما أن ارتفاع يسوع بهذا الجسد بيمين الآب (أع 33:2) يعني أيضًا تمجيده، لأن الله الآب والله الكلمة مع الله الروح القدس هم إله واحد. وهذا الجسد الممجد ولأنه حي مُؤله حامل الحياة لن يعود إلى الأرض ليرى فسادًا كما إيليا النبي وأخنوخ النبي اللذان صعدا إلى السماء. أما عن رفع جسد العذراء مريم والدة الإله إلى السماء فكان بعد رقادها، وقد حملته الملائكة وليس بقوتها الذاتية كما يسوع المسيح.
وكان ارتفاع يسوع إلى السماء كما ذكر لوقا الرسول: "وَأَخْرَجَهُمْ (الرسل) خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ" (لو 46:24-51). ويصف لوقا الرسول هذا بقوله: "ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ" (أع 10:1)، هذا الوصف للإنجيلي لوقا لا يعني ارتفاع يسوع على سحابة بشكل حسيّ كما إيليا النبي الذي صعد إلى السماء على عربة نارية. "السحابة في العهد القديم كانت ترمز لحضور الله، كما ورد في سفر الخروج "ثُمَّ غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ" (خر 34:40)، والتي كانت تقود موسى والشعب العبراني في برية سيناء (خر 38:40). فالسحابة هنا هي المجد الإلهي ليسوع المسيح، كما النور الإلهي الذي رآه التلاميذ ليسوع المسيح على جبل ثابور، والذي حجبه عن أعين الرسل.
كما أن وعد يسوع للرسل بقوله: "وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي" (لو 50:24 و51)، وقوله لهم: "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع 9:1)، هو عن الروح القدس الذي يناله كل مؤمن بيسوع المسيح في المعمودية وزيت الميرون اللذان هما عربون لدخولنا في الحياة الإلهيّة المجيدة إن عملنا بما يُمجد الله المثلث الأقانيم وبتعليم ووصايا الرب يسوع المسيح- الأقنوم الثاني فيه- ونكون شهود له.