كمال زاخر
يحتفل المسيحيون فى شتى أنحاء العالم بعيد صعود السيد المسيح إلى السماء، استحضاراً لذلك الحدث الذى تم بعد قيامته بأربعين يوماً، فى توثيق للمحطات الرئيسية فى حياته، حال تجسده، بحسب إيماننا، موقع على أيام السنة، من لحظة بشارة الملاك للعذراء القديسة مريم وحتى مجيئه الثانى، مرورا بميلاده وعماده وطيف من معجزاته وتعاليمه، التى دشنت منهجاً جديداً للعلاقة بين الإنسان والله، ثم ملحمة الصلب وتفاصيلها، وموته ودفنه وقيامته، ولقاءاته بعد القيامة بتلاميذه وتأسيسه لكنيسته، وصعوده، وإرساله الروح القدس ليمكث معنا إلى الأبد، بانوراما رائعة لعلاقة جديدة تنقلنا من مرتبة العبيد إلى مصاف الأبناء.
المسيحية وفقاً لهذا هى "الاقتداء بالمسيح"، فى مواجهة الحياة، وفى السعى لخدمة البشرية، والتكافل والتكامل لحياة أفضل، فى مقاومة لكل نوازع الشر داخلنا، لنحقق نموذج الإنسان الكامل كما كان المسيح.
 
ليس هذا فقط بل نحن نتطلع لحياة افضل ليس هنا فقط بل بعد أن نغادر العالم، وقد أكد هذا كاتب سفر العبرانيين فى قوله "فإذ لنا، أيها الإخوة، ثقة بالدخول إلى الأقداس (الأبدية) بدم يسوع، طريقا كرسه لنا حديثاً حيا بالحجاب، أى جسده".
 
وحتى نتمتع باستحقاقات الصعود معه ينبهنا القديس بطرس الرسول إلى دورنا وواجبنا "فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم، لكى تأتى أبواب الفرج من وجه الرب، ويرسل لكم يسوع المسيح المبشر به لكم قبل، الذى ينبغى أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شئ التى تكلم عنها الله بفم جميع انبيائه القديسين"(سفر اعمال الرسل ص 3).
 
ويعلق أحد اللاهوتيين على هذا بقوله: "هكذا يربط القديس بطرس مجيء المسيح باكتمال من أزمنة رد (اكتمال) كل شيء، بمعنى تكميل أزمنة الخلاص التى أشار اليها المسيح على الصليب بقوله "قد أُكمل"،
 
فكما أكمل المسيح الفداء بعمله الخاص بدمه، هكذا وضع على الكنيسة أن تكمل الشهادة بقيامته ونصرته لتوبة الخطاة وخلاص كل بشر، لذلك كان على السماء أن تقبله إلى أن تكمل الكنيسة رسالتها بمؤازرة روحه القدوس بصورة دائمة".
 
ويستطرد قائلاً "كذلك القديس بولس الرسول فإنه يرى أن الكرازة والعمل بوصايا المسيح يتحتم أن تستمر بلا انقطاع إلى يوم ظهوره.
 
"أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ: أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ (سيظهره ويعلنه) فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ (الله) الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. (الرسالة الاولى الى تيموثاوس 6 : 13 ـ 16).
 
نحن لا ننظر للصعود على أنه حدث فى التاريخ وحسب، بل نحسبه حدثاً قائماً ومستمراً فى الزمن ننتظره ونترجاه، وحتى تلك اللحظة، نترجم الصعود فى حياتنا بالصعود فوق الذات والألم لنصل إلى إنسان الله الكامل.