ياسر أيوب
بيت شعر جميل للشاعر العراقى الراحل مظفر النواب يصف فيه أحدهم قائلا.. «أفضل من يصنع مجدافين ولا يملك قارب».. وكثيرون فى مختلف مجالات الحياة هم الذين يستطيعون لكن لا يملكون.. يصنعون ما ينجح فيه ويستمتع به غيرهم.. وتبقى باكستان فى كرة القدم هى التجسيد الحقيقى والواضح لذلك.. فعلى الرغم من أن 70% من كرات العالم تصنعها باكستان لكنها تبقى بلدا بلا تاريخ كروى ولا تملك أى بطولات أو نجاحات وانتصارات.
كأن باكستان اختصرت حكايتها مع كرة القدم فقط فى صنع كرة يحبها ويلعب بها العالم وتصنع بها بلدانه فرحتها وانتصاراتها.. وكانت حكاية باكستان مع صنع الكرة قد بدأت حتى قبل استقلال باكستان نفسها عقب انفصالها عن الهند فى 1947.. ففى 1899 كان الجنود البريطانيون فى الهند ينتظرون وصول كرات جديدة من بلدهم.. وتأخر المركب فذهب قائدهم إلى ترزى فى مدينة سيالكوت وطلب منه خياطة كرة ممزقة.
وفوجئ البريطانيون بمهارة هذا الترزى الذى خاط الكرة فأصبحت أفضل مما كانت عليه وهى جديدة.. فلم يعد البريطانيون يريدون كرات بريطانية ليست أفضل ولا تشبه تلك المصنوعة فى سيالكوت.. وبدأت هذه المدينة التى أصبحت باكستانية بعد الاستقلال تتخصص فى تصنيع كرة القدم.. وكان من المتوقع أن تشهد دولة باكستان الجديدة ثورة كروية خاصة أن قائد الاستقلال والزعيم الأول محمد على جناح كان من عشاق كرة القدم.
بل إنه لم يكن فقط الزعيم الأول لكنه كان أيضا أول رئيس لاتحاد الكرة الباكستانى الذى تأسس 1947 وانضم للفيفا 1948.. ولم يحدث ذلك وظل الكريكيت هو اللعبة الأولى ثم الهوكى والاسكواش.. وفى المقابل ظلت صناعة كرة القدم تزدهر فى مدينة سيالكوت التى باتت تملك ألف مصنع لكرة لقدم يعمل أكثر من 60 ألف شخص معظمهم من النساء يصنعون أكثر من 60 ألف كرة سنويا للشركات الكبرى مثل أديداس ونايكى وريبوك.
وتكتمل المفارقات بعدم اهتمام هؤلاء النساء بمباريات كرة القدم ولا يعرفن نجومها الذين يلعبون بالكرة التى صنعنها بأيديهن.. وتخيل كثيرون اختفاء سيالكوت نتيجة التكنولوجيا الحديثة لكنهم فوجئوا بسيالكوت هى المورد الرئيسى للفيفا منذ مونديال إسبانيا 1982 حتى الآن.. وحاولت باكستان مؤخرا إحياء لعبة كرة القدم فاستعانت بالنجم الإنجليزى القديم مايكل أوين ليساعدها كمستشار فى عودة الدورى المتوقف منذ 2019.
واستغلت مباراة أمس الأول أمام السعودية فى تصفيات المونديال لتطوير استاد جناح فى إسلام آباد مع دعوة الجماهير لمشاهدة مباراة كان الباكستانيون يعرفون قبل السعوديين أنهم لن يفوزوا بها.. وخسروها بالفعل مثل كل مبارياتهم فى التصفيات ليبقوا فى المركز 195 فى تصنيف الفيفا.
نقلا عن المصري اليوم