د. وسيم السيسي
نحن كأطباء نعالج أفرادًا، والصحافة تعالج ملايين، نحن نعالج أجسادًا، والصحافة تعالج عقولًا وقلوبًا، كان تشرشل يقول: صحيفة واحدة ناجحة، أجعل بها شعبًا جديدًا!. كانت البداية فى الصحافة البريطانية: ديلى ميل، صنداى إكسبريس، The journal،The People، وبعد سنوات تهيأت للعودة إلى مصر، أرسل لى رئيس تحرير الديلى ميل: كم سعدنا بكتاباتك، وأتمنى ألا تتوقف عن إرسال آرائك الفلسفية عن عالمنا المضطرب.
فى مصر بدأت الكتابة فى «طبيبك الخاص»، مع الأستاذ محمد رفعت، ومن المقالات التى أذكرها: «الرقص فن وعلاج»، هذا فضلًا عن المقالات الطبية، والرد على أسئلة القراء فيما يختص بالكلى والمسالك البولية وأمراض الذكورة.
كنت رئيسًا لجميع أقسام الكلى والمسالك البولية بالمستشفيات التعليمية، جاءنى مريض إلى مستشفى الساحل التعليمى، بالأشعة اكتشفت مقصًّا متروكًا فى بطنه عشر سنوات إثر عملية سابقة، أجريت له جراحة لاستخراج المقص، عرفت «الأهرام»، ريبورتاج صفحة كاملة، دعانى الأستاذ عبدالوهاب مطاوع إلى الانضمام لجمعية أصدقاء بريد الأهرام، ذهبت.. مجموعة من أفاضل الناس، طلب منى كتابة مقال، كتبت مقالة بعنوان: «مصر التى لا تعرفونها»، وكأنى فتحت قلوب الناس على حب عظيم لمصر، أخذ الكل يكتب عن مصر، نالت هذه الرسالة: أجمل رسالة عن سنة ١٩٩٥.
اتصل بى الأستاذ محمد عبدالمنعم، رئيس مجلس إدارة روزاليوسف، رئيس تحرير مجلة روزاليوسف، وفى مكتبه طلب منى أن أكتب مقالة أسبوعية عن المصريات، قبلت بعد تردد من جانبى وإلحاح من جانبه، وبدأت كتابة أسبوعية حتى سنة ٢٠١٠!!. ترك الأستاذ محمد عبدالمنعم المؤسسة فى السن القانونية، تولى من بعده أ. عبدالله كمال، والأسباب لا أحب ذكرها، تركت روزاليوسف بالمعروف. شعرت بالحرية سنة، اتصل بى المهندس صلاح دياب، قلت له: دعنى فترة أحس بالحرية وعدم الالتزام أمام صاحبة الجلالة!. تركنى، وعاود الاتصال، ثم اتصل بى الأستاذ مجدى الجلاد قائلًا: سنة بنحايل فيك!. قلت: ليلى مراد بتقول: سنتين وأنا أحايل فيك!. ضحكنا، واتفقنا على فنجان قهوة فى مكتبه، تحدثنا عن اليوم «السبت»، ومساحة المقالة، اختصرتها للنصف قائلًا: أحب أن أضع الكثير من المعانى فى القليل من الكلمات، وافق الأستاذ مجدى الجلاد، ثم سألنى عن أجر المقالة عند كتابة العقد، قلت: عندى مشاكل مالية يا أستاذ مجدى!. نظر إلىَّ بدهشة، وقال: خير!. قلت: الدخل عندى أكثر من المنصرف، وهذا دليل على أنى لا أعرف كيف أستمتع بالحياة!. هذه الماديات لا تعنينى، فمهما جمعنا هى ثلاث وجبات، وسرير واحد، وما زاد عن ذلك هو أرقام للورثة!. نحن لا نملك، ولكننا نملك حق الانتفاع فقط فيما نعتقد أننا نملكه!. ضحك، وتركته يقدر ما يراه هو فى العقد.
«المصرى اليوم» شعارها: نحن لا يهمنا لونك أو دينك، يهمنا أن تعطى هذا الجورنال أفضل ما عندك، وسوف يعطيك أفضل ما عنده. فجّرت «المصرى اليوم» قضايا فى صالح الشعب، غيّرت قوانين ومسارات نهضت بالمجتمع، وبينما كانت أقلام رؤساء التحرير فى بعض الصحف قبل 30- 6 أشد احمرارًا من قلم الرقيب، كانت «المصرى اليوم» تقول لأمنا الغولة: عينك حمرا، وياما عيون شاغلونى، لكن ولا شغلونى!، مع الاعتذار للسيدة أم كلثوم!. كانت روح فولتير تحوم حول الكُتَّاب تُذكرهم بما قاله: إذا طرق الرقى باب أمة، سأل أولًا: هل لديهم فكر حر؟!، فإذا أجابوه نعم، دخل وارتقت الأمة، وإذا أجابوه لا، ولَّى هاربًا وانحطت الأمة!.
هذه «المصرى اليوم» استعارت لسان عباس محمود العقاد الذى قال: أنا لا بيه ولا باشا!، ولكنى أقول للبيه والباشا: كلا وحاشا!. كُتَّابى لهم أقلام مرهوبة الصرير، وكلمات مسموعة النفير، قام علىَّ أعداء من هنا وهنا وهناك، ولكن ربكم، رب الجنود، قال «المصرى اليوم» أدهم وأدود.
نقلا عن المصري اليوم