بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 15 بشنس من الشهر القبطي الموافق 23 مايو من الشهر الميلادي بتذكار نياحة الشيخ شمس الرئاسة  أبي البركات بن كبر  ؛ أما عن بن كبر نفسه فهو يعتبر واحدا من أشهر علماء الكنيسة القبطية الآرثوذكسية الموسوعيون الذين ظهروا في القرن الرابع عشر الميلادي ؛ولقد ولد في القاهرة من أب  ثري ذو مال وجاه يدعي "الشيخ الأكمل الأسعد "؛وكان يملك دارا فسيحة في مصر العتيقة ؛في درب سمي ب"درب ابن كبر " . ولقد كتب ابن دقماق في كتابه "الانتصار ؛لواسطة عقد الأمصار" عن هذا الدرب فقال عنه " هو بالمصاصة علي يمنة من سقيفة خيره وهو غير نافذ وكان يسكنه هذا ابن كبر في ملكه ثم خرب ودثر ".
 
ولقد عمل الأبن كاتبا لضباط المماليك ؛ثم كاتبا للأمير ركن الدين بيبرس المنصوري ؛ولقد ساعده في تأليف كتاب أسمه "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة " في أحدي عشر جزءا ؛ ولقد ذكر هذه المعلومة عنه أبو المحاسن يوسف بن المقر بن تغري بردي( 1411- 1469 ) في الجزء الأول من كتابه "المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي "" فقال عنه " بيبرس بن عبد الله المنصوري الخطائي .... أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون اشتراه ورباه مع أولاده ثم ترقي من بعده إلي أن ولي الداودارية ثم صار رأس الميسرة وكبير الدولة ؛وكان عاقلا فاضلا بارعا ذا مشاركة وفضل وصنف تاريخا أجاد فيه وأبدع ويقال أنه صنفه باعانة كاتبه ابن كبر النصراني وغيره وسمي تاريخه بزبدة الفكرة في تاريخ الهجرة " .وذكر نفس المعلومة عنه المقريزي ( 1364- 1442 )في  الجزء الثاني من كتاب "السلوك لمعرفة دول الملوك "  فقال "الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري هو أحد مماليك الملك منصور قلاوون ... وكان عاقلا كثير البر واليه تنسب المدرسة الدوادرية ..... له تاريخ سماه زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة تدخل في احدي عشر سفر أعانه علي تأليف كتابه ابن كبر النصراني ". 
 
؛ثم رسم كاهنا علي كنيسة السيد العذراء المعلقة بمصر القديمة(وكانت هي مقر الكرسي البابوي في ذلك الوقت )  ؛وتاريخ رسامته هو 1300م ؛أو بعدها بقليل . ولقد أشتهر ابن كبر بالثقافة الموسوعية كما يظهر ذلك واضحا في قائمة مؤلفاته ؛كما كتب مجموعة من الخطب  أرخت خلال الفترة من (1298 -1320 ) ؛وعندما شعر باعتلال صحته ودنو أجله ؛كتب مرثية لنفسه كتبت  في نهايتها تاريخ وفاته وهو 10 مايو 1324 م ( التاريخ كتب بعد  وفاته علي المرثية) ؛ ومما جاء في هذه المرثية :-
أموت ويبقي كل ما قد كتبته                           فياليت من يقرأ كتابي دعا ليا 
لعل إلهي أن يجود بعفوه                             ويغفر زلاتي وقبح فعاليا 
 ولقد عاصر ابن كبر في حياته ثلاثة من الآباء البطاركة هم :- 
1- البابا ثاودسيوس الثاني (1294 -1300 ) البطريرك رقم 79 
2- البابا يؤانس الثامن (1300- 1320 ) البطريرك رقم 80 
3- البابا يؤانس التاسع (1320- 1327 ) البطريرك رقم 81 
 
أما عن مؤلفاته فهي كثيرة ومتنوعة ؛غير أن كتابه العمدة هو كتاب "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة " ؛فهو يعتبردائرة معارف كاملة متكاملة ؛ يتكون من 24 بابا تشمل كل مايتعلق بالديانة المسيحية من عقيدة وتاريخ وطقس ؛ويكفي أن نذكر أن الرحالة الإلماني فانسليب (1635- 1679 ) عندما كتب كتابه الشهير "تاريخ كنيسة الاسكندرية " عام 1677 م ؛أعتمد بشكل رئيسي كما ذكر هو بنفسه في مقدمة الكتاب علي المعلومات التي وردت في كتاب أبن كبر .
 
ويبرز تواضع أبن كبر الشديد في المقدمة التي وضعها في أول الكتاب  إذ قال فيها " علي أنني لست من العارفين بهذه الوظيفة ولا من القائمين ببعض حقوقها الشريفة ؛لكنني جمعت ذلك من الكتب المقبولة والفرائد المنقولة ؛والعرف المتداول في عصرنا والوضع المستعمل في مصرنا بحسب ما أنتهت إليه القدرة وأستوت عليه الفكرة ؛مستعينا بأبي الأنوار ومنير البصائر والأبصار ؛وأنا أتضرع إلي كل من تأمله أن يسد خلله ويتدارك زللـه ؛ويصلح ما لعله وقع فيه من السهو والتقصير وأعترضه التقديم والتأخير ؛فليس يخلو من ذلك الماهر الفاضل والعالم والعامل والمحصل الكامل ؛فكيف من هو عري من هذه الخلل ؛خلي من العلم والعمل ؛مليء بالخطأ والزلل " .وتوجد نسخة من هذا الكتاب محفوظة في مكتبة الفاتيكان يرجع تاريخها إلي 1333 م ؛ونسخة في مكتبة برلين ؛ونسخة أخري في المكتبة الأهلية بباريس ؛ونسخة في المتحف القبطي بالقاهرة ؛وأخيرا نسخة في دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر .
 
أما كتابه العمدة الثاني ؛فهو "السلم الكبير المقترح "؛وهو معجم قبطي – عربي ؛وضعه عام 1324م ؛حيث وضعه في عشرة أبواب مقسمة إلي   30 فصلا ؛ حيث  أفرد فصولا للكلمات المستعملة في كل موضوع أو مهنة ؛فجمع مثلا أسماء الله تعالي في فصل ؛وأداوات النجارة في فصل آخر ؛ وأسماء الأنهار والجبال والتلال في فصل ؛والحبوب والبقول والمزروعات في فصل .... الخ . ولقد نشره الراهب اليسوعي أثناسييوس كيرشر ( 1601- 1680 )   مع ترجمة لاتينية ووضع فهارس له عام 1648 . 
 
وفي مقالة للاستاذ حبيب الزيات بعنوان "هل كان ابن كبر شاعرا أيضا ؟ " نشرت في مجلة المشرق في عدد شهر نيسان-حزيران 1937 ؛ذكر فيها أنه عثر في المكتبة الأمبروسية بميلانو علي قصيدة منسوبة لابن كبر في مدح الأمير  بيبرس الدوادور قال فيها :- 
خلقت مظفرا برا وبحرا                        وعزمك ماضيا شاما ومصرا 
وفكرك ثاقب في كل أمر                       ورأيك أسعد الآراء طرا 
وما سارت ركابك في جيش                       فمستهم يد العدوان قسرا 
ولا وليت عن حرب هزيما                      ولو كان للقاء جيش كسري 
ولا صاحبت ركبا في مسير                      فنال مشقة أو ذاق عسرا 
وجدك سعده أبدا جديدا                        وسعدك جالب للترك نصرا 
آتت بشراك مولانا إلينا                       فكانت للخلائق خير بشري 
والقصيدة في الاصل 48 بيتا ؛غير ان بعض الباحثين يشكك في صحة نسبتها لابن كبر .
ومهما يكن من أمر ؛فلقد خلد التاريخ أسم القس "شمس الرياسة أبو البركات ابن كبر " كواحد من اكبر علماء وفلاسفة القرن الرابع عشر الميلادي .