طارق الشناوى

قبل نحو 20 عاما شاهدت فى (كان) الفيلم الأمريكى التسجيلى الطويل (9/11 فهرنهايت)، للمخرج الشهير مايكل مور، المقصود بالتاريخ ضرب البرجين، فى أمريكا، الفيلم حصل على (السعفة الذهبية)، الشريط لم يخف أبدا نواياه، هدفه هو التقليص من حجم فرص جورج بوش (الابن) لولاية ثانية، قدمه فى صورة هزلية، ولا يصلح أن يحكم مجددا أمريكا لفترة ولاية ثانية، وبرغم النجاح الطاغى للفيلم، والذى عرض أيضا جماهيريا فى مصر، وهى من المرات القليلة التى يحظى فيها فيلم تسجيلى بالعرض التجارى، فما بالكم وأنه يحمل الجنسية الأمريكية، تكرر أيضا نجاحه النسبى فى دور العرض المصرية، إلا أن بوش الابن فاز فى النهاية بولاية ثانيه ضد منافسه.

 

(كلاكيت ثانى مرة) ونحن على أبواب انتخابات قادمة، لو قفز فيها ترامب على كل الملاحقات القانونية، سوف يصبح منافسا شرسا للرئيس الحالى بايدن، خاصة أن الكثير من الدراسات أشارت إلى أن فرصته فى الفوز بالمقعد الرئاسى أفضل من بايدن.

 

خدعوك فقالوا، لا سياسة ولا رموز سياسية فى (كان)، بينما الحقيقة أن السياسة متوفرة.

 

الفيلم الأمريكى (المتدرب) للمخرج الإيرانى الأصل على عباسى، المغضوب عليه فى بلده، يحمل الجنسية الدنماركية، قدم قبل عامين أيضا فى كان (العنكبوت المقدس) يحكى عن الدعارة الليلية والمستترة فى إيران متناولا، اختراق القانون، ولهذا فهو ممنوع قطعا من العودة لوطنه تنتظره أحكام قاسية، مؤكد لن يفعلها ويجازف بالعودة.

 

عنوان الفيلم (المتدرب) ليس عشوائيا، هو اسم برنامج أشرف عليه ترامب، ومن خلاله يحكى أيضا مرحلة الشباب التى عاشها، والتى صنعت لنا فى النهاية هذا الرجل الشرس العنيف حتى عندما يعيش قصة حب، فهو يعيشها بعنف.

 

قبل نحو أربع سنوات كان رئيسا لأمريكا، وسقط فى التجديد لولاية ثانية، ولا يزال يحلم بالمقعد، وعندما تستعيد عقد السبعينيات الذى شهد بداية صعوده الاقتصادى والاجتماعى وكأنهما البنية التحتية للصعود السياسى، ستدرك أن من الطبيعى ألا يستسلم أو يعترف بأن للزمن أحكاما، من أهم المبادئ التى يؤمن بها ويطبقها الإنكار، حتى للحقائق، ولهذا لم يعترف ولايزال بخسارته فى الانتخابات الأخيرة أمام بايدن ويعتبر الجولة القادمة هى الحاسمة بينهما.

 

تستطيع أن ترى الشريط من عدة زوايا منها كيف نقدم الشخصية العامة؟، فى ثقافتنا العربية نخشى الاقتراب من كل ما هو سلبى، وفى العادة نقدم الشخصية بعد رحيلها عن الحياة، ترامب لا يزال برغم أنه فى نهاية السبعينيات من عمره، إلا أنه لم يفقد ابدا حتى انفعالاته المتهورة والساخرة، والسيناريو لم يخش أبدا الحقيقة، بل العكس كان مباشرًا فى تناولها.

 

الممثل الأمريكى سيباستيان ستان اقترب بالمكياج من ملامح ترامب، إلا أنه لم يخضع لهذا الإطار الشكلى، كثيرا ما كان يبدو أنه حريص على أن تعلو جبهته خصلات من الشعر ببضعة سنتيمترات، كما أنه لم ينس خوفه من الصلع ولجوؤه إلى عملية قاسية لاختصار جزء من فروة الرأس حتى يحافظ على الكثافة، كما أنه يتخلص من بروز الكرش بعملية استئصال لدهون البطن، المخرج قدم ذلك فى إطار كوميدى صارخ، يحمل مبالغات قد تتناقض حتى مع القواعد العلمية، لتلك العمليات إلا أنها ترسم ملمحًا كوميديا مقبولا ولا يبتعد عن الصورة التى صدرها ترامب عن ترامب للعالم.

 

علاقته بإيفانا فارقة فى حياته، ورغم ذلك كانت له نزوات بعيدا عنها، تؤدى دورها ماريا باكالوفا، والحقيقة أن الأصل أجمل من الصورة، إيفانا الحقيقية أكثر جمالا، كما أنها أكثر جاذبية وحضورا على عكس الممثل سيباستان الذى كان على المقابل أكثر حضورا من (ترامب) الأصل.

 

من البداية أدرك ترامب أن المال يحتاج إلى سور عال بالحماية يستمدها من السلطة، وهكذا مع نهاية السبعينيات، بدأ فى التخطيط للصعود السياسى، وكأن المخرج على عباسى يستعد لجزء ثان، ولكنه فقط يترقب الانتخابات وفى الحالتين فاز أم خسر انتخابات الرئاسة فإن الأمر يستحق.

 

الحماية القانونية جزء حميم من صعود أصحاب رؤوس الأموال، وهكذا كان معه دائما، غطاء قانونى، من محام وكأنه (العراب) الذى يلقن تلميذه أصول المهنة وكيف يصل لذروة النجاح حتى لو لم يكن جديرا به، المحامى المثلى جنسيا يرحل فى النهاية بعد إصابته بالإيدز، ولكن كان من المهم أن نتابعه على الشاشة.

 

فهو كما يبدو هو الأستاذ الذى لقن تلميذه ترامب أصول اللعبة السياسية، والتى تبدأ دائما بالإنكار حتى للحقائق ثم الهجوم، لا يهم أن تنهزم، الأهم هو عدم الاعتراف بالهزيمة، وهو بالضبط ما طبقه حرفيًا ترامب، ولا يزال لا يعترف بالهزيمة السياسية.

 

الخصوصية، رغم أنها مصانة قانونا فى العالم كله، ولكن كما يبدو أن هناك فريق عمل حرص على أن يقدم هذا الشريط الأمريكى بكل هذه الجرأة بعد أن وضعوا كل أسلحة الدفاع المشروعة، لو أراد ترامب أم يدخل فى معركة، هناك تحذير مكتوب على الشريط يشير إلى وجود مشاهد على الشريط من محض الخيال، فهو منذ البداية أكد على تعاقد بينه والجمهور يقضى بألا يحاسبه تاريخيا، على كل التفاصيل، كما أن الفيلم من خلال العنوان لا يحمل اسم ترامب ولكنه (المتدرب)، ورغم ذلك فإن تلك التركيبة التى بطبعها تبادر بالهجوم قبل أن يهاجمها أحد، فما بالكم عندما تكتشف أن هناك من وجه إليه طعنات مباشرة.

 

 

هل الفيلم جزء من حملة مسبقة لتوجيه ضربة مباغته لترامب، أم أن شخصية ترامب تكفى جدا لكى تثير شهية السينمائيين لتقديمها؟ أنا أميل أكثر للتفسير الثانى، ولن أعترض على من يرجح كفة التفسير الأول!!.

نقلا عن المصرى اليوم