سجلت أسعار الذهب مستويات قياسية متتالية خلال العام الجاري والذي لم نصل إلى نصفه بعد، الأمر الذي ينبئ بإمكانية مواصلة تسجيل مستويات قياسية أخرى خلال الربع الأخير من العام. دعمت تلك المستويات القياسية مصداقية التوقعات الاقتصادية للكثير من المحللين في البنوك العالمية والذين كانوا توقعوا خلال نهاية العام الماضي أن يسجل الذهب مستويات لم يشهدها من قبل خلال 2024. 
 
دفعت تلك التوقعات الايجابية زيادة إقبال المستثمرين على المدى الطويل، والمضاربين على المدى القصير، والمتداولين بشكل لزيادة الطلب على المعدن الأصفر وذلك من خلال شراء الذهب المادي، او من خلال الشراء عبر افضل شركات تداول الذهب.
 
على الرغم من أن التوترات الجيوسياسية لم يتم وضعها في الاعتبار بشكل كبير عند مراجعة التوقعات الخاصة بالذهب التي صدرت خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي. لكن استمرار الحرب في غزة، وترقب المزيد من التوترات في منطقة بحر الصين الجنوبي، كذلك استمرار الحرب في أوكرانيا كلها من الأمور التي سارعت من دفع سعر الذهب لتسجيل تلك المستويات بشكل او اخر. خاصة وأن العامل الأساسي الذي بنى عليه محللي الأسواق ارتفاع الذهب والمتمثل في تحول السياسة النقدية للبنوك المركزية من التشديد النقدي للتحفيز النقدي لم يتم بعد.
 
من المعلوم بالضرورة أن رفع سعر الفائدة من قبل البنوك المركزية خاصة الكبرى يؤثر بشكل سلبي على سعر الذهب، مع ميل المستثمرين للعملات التي تجلب فائدة على حساب الذهب الذي ينُظر اليه في هذه الحالة على انه مخزن للقيمة. بالتالي فإن خفض معدلات الفائدة يوفر دعم للأصول المالية الأخرى، مثل الذهب وسوق الأسهم بعيدًا عن العملات ذات الفائدة المرتفعة.
 

تحول السياسة النقدية ما بين المؤكد والمؤجل

دفعت المخاوف من دخول الاقتصادات العالمية في حالة من الركود خلال فترة الجائحة البنوك المركزية العالمية، لبدء موجه تحفيز تلك الاقتصادات من خلال ضخ كميات كبيرة من الأموال في الأسواق بالتزامن مع خفض سعر الفائدة. لكن بعد حوالي عام ونصف العام مع انحسار مخاوف تأثير الجائحة وارتفاع التضخم بشكل كبير في الاقتصادات العالمية، تحولت البنوك المركزية أو أغلبها حول العالم لتشديد تلك السياسة بداية من الربع الثاني من عام 2023 من خلال عدة إجراءات وكان ابرزها رفع سعر الفائدة. على سبيل المثال وصل سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين مستويات 5.25% و5.5% وهي أعلى نسبة فائدة في أكثر من 20 عام.
 
لكن ما تراجع التضخم بشكل تدريجي في الاقتصاد الكبرى، عادت البنوك المركزية للحديث عن إمكانية خفض أسعار الفائدة. كان البنك الاحتياطي الفيدرالي في الصدارة من تلك البنوك في البداية. لكن مع تباطؤ وتيرة تراجع التضخم خلال الربع الأول من العام الجاري، تحول التركيز على البنك المركزي الأوروبي والذي من المرجح أن يبدأ في خفض أسعار الفائدة خلال يونيو القادم، كذلك بنك إنجلترا، والذي من المتوقع أن يسبق الفيدرالي الأمريكي في خفض الفائدة ايضاً.
 
نعود للبنك الاحتياطي الفيدرالي والذي تسابقت التوقعات المتفائلة حول خفض أسعار الفائدة في بداية العام، مع التركيز على شهر مارس باعتباره اول الأشهر التي يمكن أن يقر فيها صناع السياسة النقدية الأمريكية أول خفض لسعر الفائدة. لكن مع توالي بيانات مؤشر أسعار المستهلك والذي كشف عن تباطؤ تراجع التضخم خلال الأشهر الأولى من العام بدأ محللي الأسواق في استبعاد إمكانية خفض سعر الفائدة الأمريكية بشكل تدريجي من شهر مارس إلى مايو، قبل استبعادها مرة أخرى إلى يونيو. ومع توالي البيانات الاقتصادية التي لم تسير وفق خطط الفيدرالي ظهرت أصوات تنادي بالتمسك بسعر الفائدة المرتفع حتى نهاية العام. 
 
في الوقت الحالي، بعد بيانات التضخم الخاصة بشهر أبريل، تسعر الأسواق إمكانية خفض أسعار الفائدة خلال شهر سبتمبر المقبل كأول الأشهر المرجحة لخفض أسعار الفائدةالأمريكية.
 

توقعات سعر الذهبوتطورات السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي

 مع توالي البيانات الاقتصادية وتصريحات صناع السياسة النقدية، أعادت عدد من البنوك العالمية مراجعة التوقعات السابقة الخاصة بالمعدن الأصفر بحلول نهاية العام الجاري. حيث سجل متوسط تلك التوقعات ترجيح وصول سعر الذهب إلى مستويات 2500 دولار للأونصة. وهي توقعات أصبحت غير بعيدة خاصة اذا استمرت التصريحات الإيجابية من أعضاء البنك الاحتياطي الفيدرالي الصادرة مؤخرًا حول اتجاهات التضخم. على سبيل المثال قال نائب رئيس مجلس الإدارة فيليب جيفرسون، أن البيانات الأخيرة والخاصة بشهر أبريل قد تعزز ثقة السوق في تباطؤ التضخم. 
اخيرًا يمكنك أن تلاحظ عدم ذكر تأثير تطورات التطورات الجيوسياسية والتي لا يمكن توقع توسعها أو تراجعها على مدى العام على سعر الذهب. كذلك حجم الطلب من البنوك المركزية والذي لا يتم الإعلان عنه بشكل فوري. لذا قد يكون أمام الذهب تسجيل مستويات أعلى بكثير في حال توسع التوترات الجيوسياسية، أو زيادة الطلب بشكل أكبر من البنوك المركزية.