( 1948- 2023 )
إعداد/ ماجد كامل
خرجت علينا وسائل التواصل الإجتماعي بخبر مؤلم وحزين مساء يوم الجمعة الموافق 12 مايو 2023 ، هو وفاة الاب وليم سيدهم اليسوعي مدير جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة . أما عن الأب وليم سيدهم نفسه فهو وحسب المعلومات المتاحة لدي من مواليد محافظة قنا في 21 فبراير 1948 ، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة فالتحق بالمعهد الاكليركي بالمعادي ، كما حصل علي ليسانس الآداب قسم فلسفة وعلم نفس في جامعة القاهرة خلال الفترة من ( 1967- 1971 ) ، والتحق بعدها بالرهبنة اليسوعية في خريف عام 1972 ، وتابع بعدها مرحلة التكوين حسب قواعد الرهبنة اليسوعية (روحيات – فلسفة – لاهوت ) ما بين مصر ولبنان وفرنسا . ثم سافر الي فرنسا وحصل علي درجة الماجستير ، وكان موضوع الرسالة " علم التأويل عند ابن رشد " . ثم حصل بعدها علي ماجستير ثانية في علم اللاهوت وكانت حول العلامة ترتليان . ثم عاد إلي مصر ليعمل مدرسا للفلسفة في مدرسة العائلة المقدسة الثانوية بالفجالة ، كما عمل أستاذا لعلم اللاهوت في معهد العلوم اللاهوتية والإنسانية بالسكاكيني . وسيم كاهنا في 23 مارس 1984 وداوم علي الكتابة في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية ، كما اهتم بتكوين وتنشئة أجيال من الشباب القادر علي صناعة التغيير من خلال دورات تدربيية في الوعي والثقافة والفن ، وبشكل خاص من خلال مشروعه في جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة ، والتي منها خرج الكثير من المبدعين في مجالات المسرح والسينما والانتاج الفكري والأدبي . ( إبراهيم ناجي :- الأب وليم سيدهم الراهب اليسوعي الحر المستنير البسيط القادم من قلب الصعيد ، موقع البوابة ، 13 مايو 2023 ) .
ولقد كان مشروعه الفكري الكبير ، هو نقل تجربة لاهوت التحرير التي بدأت في أمريكا اللاتنية علي يد جوستاف جوتييرز Gustavo Gutierrez إلي مصر ، فعكف علي كتابة وترجمة عدد من الكتب في هذه المجالات نذكر منها ( لاهوت التحرير في أمريكا اللاتنية نشاته وتطوره ومضمونه – لاهوت التحرير في أفريقيا – لاهوت التحرير الآسيوي – كلام في الدين والسياسة نحو لاهوت تحرير مصري عربي .... الخ ) . وحول فلسفة لاهوت التحرير ، يشرح الأب وليم في محاضرة له ألقيت مؤتمر الجمعية الفلسفية بجامعة القاهرة في 30 ديسمبر 1997 ، فيذكر أن الشرارة الأولي للاهوت التحرير جاءت في قرارات مجمع الفاتيكان الثاني ( 1963- 1965 ) حيث كان يحمل رؤية جديدة نتجية وجود أساقفة من أمريكا اللاتينية تحمل وثائق هامة خاصة بالكنيسة في عالم اليوم ، والعلاقة مع الأديان الأخري . وجاء كتاب للأب جوتيريز تحت عنوان " محاذير التسييس الإنجيلي " ناقدا لموقف الكنيسة الرسمية في أمريكا اللاتينية حيث تتصف بالدفاع عن المجتمع الرأسمالي المسيطر هناك . وهذا يجعل الكنيسة نفسها جزء من النظام الرسمي القائم ، والمقولة السائدة أن الكنيسة لا دخل لها في السياسة ليست إلا شعارا هدفه تغطية الأمور والحفاظ علي سياسة الأمر الواقع . والكنيسة لها شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية تتمثل في علاقاتها مع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية سواء من الغنية المسيطرة أو الفقيرة المحرومة ، وعن طريق مؤسساتها التربوية كالجامعات والمدارس والجمعيات الخيرية .... الخ . أو عن طريق مؤسسات الدولة التي تربطها بها علاقات تاريخية ودينية ، تستطيع أن تساعد هذه الفئات المحرومة . ( وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، دار مصر المحروسة ، صفحة 32 ) .
ثم يعطي نموذج آخر من خلال مقال كتبه الأسقف ديزموند تيتيو ، يذكر أنه مع التحرر السياسي الذي نالته معظم دول أفريقيا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين ، إلا أن القارة مازالت تفتقر إلي الحرية الحقيقة ، وأهم ملمح لغياب هذه الحرية هو القطاع الاقتصادي الذي يخضع خضوعا بشعا للاستغلال الغربي الجشع . ومن هنا كان نضال الأفارقة من أجل التحرر من الاستغلال الاقتصادي والقهر السياسي خصوصا في تلك البلاد الخاضعة للأقليات البيضاء . ولاهوت التحرير جزء لا يتجزأ من كفاح السود لينالوا حريتهم ويفخروا بإنسانيتهم فلا يخجلون من النظر إلي الآخرين بل يتعاملون معهم الند للند . ويرد توتو علي الاتهامات الموجهة من بعض الأوساط اللاهوتية المحافظة التي تجزم أن لاهوت التحرير مجرد سياسة ، وأن روح الصلاة تنقص هؤلاء اللاهوتيين ، فيقول " هذا النقد لا يخلو من وقاحة لأنه يفترض أن لاهوتيي التحرير لا يصلون في حين أنهم يلتقون يسوع المسيح في الصلاة والسكون ودرس الكتاب المقدس وممارسة الأسرار الكنسية . فما يلهمنا هو الإيمان وليس السياسة . ولاهوت التحرير ليس مجرد تمرينات ذهنية أو هذيان فكري . فالقضايا التي يطرحها قضايا حياة أو موت لمن يتوجه إليهم هذا اللاهوت . فهو يحاول أن يعيد إلي ضحايا القهر معني إنسانيتهم المفقودة كما يحاول أن يعيد إليهم قيمتهم الشخصية التي منحهم الله إياها . ( وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، صفحتي 33 و34 ) .
ثم يتناول نموذج من آسيا هو الكاتب السيرلانكي اليسوعي الويزيس بيريز Aloysius Pieris ، حيث ينتقد بشدة النظرة الثنائية التي تفصل بين التأمل الروحي من جهة والعمل من جهة أخري ، فهذه الثنائية تعرض التعاليم الكتابية حول الصلاة والعبادة للخطر . فالمسيحي الحقيقي ليس هو مسيحي التأملات النظرية المجردة . بل المسيحي الحقيقي هو الذي قلبه يدمي للجائع والعطشان والمريض والذي بلا مأوي والسجين بسلاسل القوانين الاجتماعية الجائرة . هذا هو المسيحي الذي يفتح عقولنا لنفهم الأسباب الحقيقة الظاهرة والخفية التي تعمل علي تجريد الإنسان من إنسانيته ، وهو الذي يضع لنا نموذجا مختلفا للمجتمع الإنساني ، مجتمعا يتمحور حول النمو الحقيقي والشامل للإنسان لا حول تراكم الفوائد والممتلكات ( وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، صفحتي 34 و35 ) .
والنموذج الأخير الذي يقدمه الأب وليم هو المفكر التربوي البرازيلي المعروف باولو فريري ، ففي كتابه " تعليم المقهورين " الذي يطالب بضرورة إعطاء الكلمة للشعوب المقهورة لتشارك في صنع القرار السياسي والاقتصادي . ويذكر تجربة لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ، ويؤكد أن من مميزات هذه التجربة أنها تمارس النقد الذاتي وتحالف الكنيسة مع النظام القائم ، وهو لاهوت شرعي يستمد شرعيته من قرارات ووثائق مجمع الفاتيكان الثاني . والخلاصة – حسب الاب وليم – يمكن تلخيص التوجهات الجديدة لخطاب اللاهوت التحرير علي النحو التالي :-
1-القطيعة مع اللاهوت الغربي الأوربي والانطلاق من التحديات الراهنة المحلية .
2-إضافة مفهوم جديد لدور رجل الدين فهو خادم للشعب قبل أن يكون حارس للعقيدة .
3-إضافة مفهوم جديد لقراءة النصوص المقدسة وهو الانطلاق من الواقع المعاش واستخدام العلوم الإنسانية لفهم النصوص .
4 – إضافة مفهوم جديد لدور العقيدة الدينية هو الخدمة الصادقة للإنسان قبل تعليم العقيدة .
5-فهم مفهوم جديد للخطيئة . من الخطيئة الفردية إلي الخطيئة الجماعية .
6-ضرورة التكامل بين متطلبات الدين ومتطلبات الالتزام المدني .
( الاب وليم سيدهم :- نفس المرجع السابق ، الصفحات 40 و41 ) .
وفي مجال اهتمام الأب وليم باللاهوت الإجتماعي ، قام بإلقاء محاضرة في كلية العلوم الدينية يالسكاكيني بعنوان " التعليم الاجتماعي للكنيسة الكاثولوكية مائة سنة علي صدور وثيقة الشئون الحديثة 1891 – 1991 للبابا لاون الثالث عشر " ، وكان تاريخ المحاضرة هو 18 يناير 1991 . ولقد قام في هذه المحاضرة برصد وتحليل كل الوثائق الإجتماعية التي ظهرت في الكنيسة الكاثولوكية ، نذكر منها :-
1-رسالتان في عهد البابا لاون الثالث عشر .
2-ثلاث رسائل في عهد البابا بيوس الحادي عشر .
3-رسالة في عهد البابا بيوس الثاني عشر .
4- ثلاث رسائل في عهد البابا يوحنا الثالث والعشرون .
5-ثلاث رسائل في عهد البابا بولس السادس .
6-أربع رسائل في عهد البابا يوحنا بولس الثاني .
( لمعرفة تاريخ ومحتوي كل هذه الرسائل يمكن الرجوع إلي :- الأب وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، نحو لاهوت تحرير مصري عربي ، دار مصر المحروسة ، 2003 ، الصفحات من 156- 188 ) .
وبحكم تخصص الأب وليم سيدهم في الفلسفة ، أهتم جدا بالقضايا الفكرية ، فقام بإلقاء محاضرة في الجمعية الفلسفية المصرية حول "قضية التأويل عند ابن رشد بحسب كتابه فصل المقال " ، وكان تاريخ المحاضرة خلال شهر ديسمبر 1998 . ويذكر سبب اختياره لابن رشد أنه وجد فيه نموذجا للفيلسوف الذي أستطاع أن يصالح بين العقل والنقل ، وأن يصالح بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأوربية وتمثلها الفلسفة اليونانية . وركز علي مصطلح " التأويل " ومعناه إخراج دلالة اللفظ من المعني الحرفي إلي المعني المجازي ، وأعطي ابن رشد مفاتيح عامة لفراءة النص هي :-
1-الحقيقة واحدة مصدرها الله وغايتها واحدة وإن اختلفت الوسائل للوصول إليها .
2-التعارض بين الشريعة والعقل تعارض عرضي وليس جوهري .
3-التأويل هو الآلية الشرعية لحل مشكلة التعارض بين العقل والنقل .
4-النظر البرهاني العقلاني مأمور به في الشريعة الإسلامية .
ولقد ركز ابن رشد في كتابه " فصل المقال " علي مصطلح التأويل ، وذكره 110 مرة . ولقد ركز ابن رشد علي قضية التأويل أنه ينبغي أن لا يصرح به للجمهور العام . ويلخص الأب وليم القيمة الفكرية لابن رشد في النقاط التالية :-
1-ثقافة ابن رشد الواسعة سمحت له أن يعالج النص الديني بقدر من التسامح والمنهجية العلمية في عصره .
2-العقلانية الرشدية أحوج ما نكون لها اليوم في حوارتنا المسيحية والإسلامية .
3-الانفتاح الثقافي والحضاري بحكمة واقتدار بحيث لا يفرط في هويته الإسلامية والعربية .
4-لم يقصد ابن رشد احتقار الجمهور بمحافظته علي التأويل لأهل العلم ن بل قصد أن يميز بين قدرات البشر ويحترم المرحلة التي يمر بها كل إنسان ، فهذا التقسيم ليس عنصريا ولكنه مرحلي حتي يتمكن العامة من الوصول إلي أهل البرهان .
5-الحوار بالمنطق والحجة عوضا عن العراك بالصوت والسيف .
(لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- الأب وليم سيدهم ، الصفحات من 190- 200 ) .
كما القي جنابه محاضرة في الجمعية الفلسفية المصرية بعنوان " تجديد الحياة الروحية للرهبنة المصرية في القرن العشرين ، نموذج متي المسكين " حيث قام بتقسيم الإنتاج الفكري للأب متي المسكين إلي أربع مراحل هي :-
1-المرحلة الأولي :- من 1951- 1958 .
وأهم ما يميزها كتاب " حياة الصلاة الأرثوذكسية " إلي جانب بعض مقالات في مجلة مدارس الأحد حذر فيها من إتباع المناهج العقلية الغربية ، و التركيز علي المنهج الشرقي . كما دعا إلي ضرورة الاهتمام بترجمة كتابات الآباء الأولين ، لوصل التراث الماضي بالحاضر .
2-المرحلة الثانية :- من 1959- 1968 .
وفيها أهتم بتأسيس " بيت التكريس لخدمة الكرازة " بحلوان ، ومن ثمار هذه المرحلة كتاب " العنصرة " الذي وصفه أنه أول كتاب لاهوتي عصري عن الروح القدس في القرن العشرين . ومن الكتب الوطنية ذكر كتابين " ما وراء خط النار " ، و"ميناء إيلات وصحراء النقب " كما صدرت له سلسلة كتب تعالج القضايا الإجتماعية مثل ( الاشتراكية المسيحية – المسيحي في المجتمع – الكنيسة والدولة ) .
3-المرحلة الثالثة :- 1969- 1989 .
وهي المرحلة التي ظهرت فيها المجلدات الضخمة مثل ( الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار- الإفخارستيا والقداس ) كما كتب سلسة كتب عن الأصوام والأعياد ، وأخيرا كتابه الموسوعي عن " القديس أثناسيوس "
4-المرحلة الرابعة :- من 1990 – 1999 .
وهي المرحلة التي ظهرت الشروحات الضخمة للأناجيل بشكل منظم ومنهجي مستعينا بأحدث المناهج العلمية ، ويمثلها ( شرح إنجيل يوحنا – شرح إنجيل مرقس – القديس بولس الرسول ) وأيضا بعض المقالات اللاهوتية عن ألقاب السيد المسيح .
(راجع الدراسة بالكامل في :- الأب وليم سيدهم ، الصفحات من 202 – 215 ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-الأب وليم سيدهم :- كلام في الدين والسياسة ، نحو لاهوت تحرير مصري عربي ، تقديم جمال البنا ،دار مصر المحروسة ، 2003 .
2-الأب وليم سيدهم :- لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية نشاته . تطوره . مضمونه ، دار المشرق ، بيروت ، 2003 .
3-بعض المواقع المتناثرة علي شبكة الأنترنت .