قصة للأطفال بقلم :زهير دعيم
شادي ابن السابعة ، طفل حزين جدًا في هذه الأيام ، يبكي كلّ الوقت بهدوء وصمت ، ويرفض أن يتناول طعامه كما كان يفعل ، حتى عصير البرتقال الطبيعيّ الذي كان يحبّه لم يقربه.
حاولت أمّه أنّ تُخفِّفَ من حزنه ، فعانقته وضمّته إلى صدرها ولكن دون جدوى ، واشترى له أبوه درّاجة حمراء جميلة لعلّه ينسى، ولكن دون فائدة ، فظلَّ حزينًا ، باكيًا ينظرُ إلى البعيد ويُفتِّش في الحديقة وغرف البيت وينادي : " جدّي ...جدّي ..أين أنتَ ؟" ويروح يسأل : لماذا ...لماذا أرسلتم جدّي إلى الملجأ ، فأنا احبّه ، أحبّ قصصه وحكاياته ، وأحبّ مرافقته في مشاويره ، أريده أنْ يعود إلى البيت.
وتمسح ألامّ دموع وحيدها وتقول : ... انها الظروف يا حبيبي ، لعنَ الله الظروف ، ولكن اطمئن فقريبًا سوف نأخذكَ إليه ، فالملجأ لا يبعد كثيرًا عن بيتنا ، انّه بجانب مدرستكَ يا شادي.. قريبًا يا بُنيّ سنزوره أنا وأنت وأبوك ، وسنأخذ له في عيده كعكةً جميلة لذيذة.
انّه قريب من المدرسة .... هزَّ شادي رأسه ثُمَّ صمت ، ونام تلك الليلة نومًا هادئًا.
وفي الصّباح استيقظ على غير عادته في الأيام الأخيرة ، استيقظ نشيطًا ، مرِحًا ، ففرك أسنانه ، وغسل وجهه ويديه وسرَّحَ شعره وتناول زوّادته وذهب إلى المدرسة.
رأى الوالدان ابنهما والبسمة تعود إلى مُحيّاه ، ففرحا كثيرًا وقالا: لقد نسيَ ...لقد مرَّت المُشكلة على خير .
لذلك قرّرت ألامّ أنّ تُجهّز طعامًا شهيًا وعصير برتقال طبيعيًّا بهذه المناسبة الجميلة .
انتظرت الامّ وانتظرت ، فها هي السّاعة تُقارب على الثانية بعد الظهر ، وهو الموعد المُحدّد لعودة شادي من المدرسة .
ولكنّ شادي لم يَعُد ، وانتظرت الأمّ نصف ساعة ولكن دون جدوى ، فخَفَقَ قلبها هَلَعًا وقامت تُهاتف المدرسة ، فأخبرتها السّكرتيرة أنّ جميع الطلاب تركوا المدرسة عائدين إلى بيوتهم.
ازداد خوف الام وتضاعفت حيرتها ، أتتصلُ بزوجها المحامي
المتواجد في مكتبه أم تنتظر ؟ .
وقرّرت الانتظار نصف ساعة أخرى ، ولكن لا خبر، فها قد مضى أكثر من ساعة على انتهاء الدّوام المدرسيّ ، وشادي لم يَعُد ، وليس من عادته أنْ يفعل ذلك.
وأخيرًا قرّرت أن تتصل ، فابنهما ، وحيدهما أهمّ من ألف مكتب، وألف عمل !!
وحضر الزّوج إلى البيت سريعًا والقلق يملأ تفكيره ، كيف لا والفصل شتاء والسماء عابسة.
تشاور الزوجان ، أيخرجانِ إلى الشّوارع يبحثان عنه ، أم يتصلان بالشُّرطة ؟!
يا الهي ارحمنا صرخت الامّ ، أعدْ إلينا شادي ، أعده سالمًا فقد تعذبّنا حتى رأيناه !!!
ها هو جرس الهاتف يرنّ ، فيسرع الأب إليه ، ليصرخ بعد لحظات قليلة : شكرًا...شكرًا لله ، سآتي حالاً وسريعًا .
وبكت ألام من الفرح وهي تستفسر ، كيف ومتى وأين؟ والزوج يقول لها في السّيّارة سأخبرك بكلّ شيء هيّا أسرعي.
ركبا السّيارة. وفي الطريق أخبر الزوج زوجته بأن المُتصل ما هو الا الجدّ من الملجأ وشادي لديه ، فقد وجده البوّاب قبل لحظات بجانب بوّابة الملجأ ، والمطر يقطر من ثيابه.
وبعد أقلّ من ساعة واحدة عادت السّيّارة البيضاء إلى الحارة ، ونزلت منها الزوجة وزوجها يحمل حقيبة كبيرة ، ومن الباب الخلفيّ نزل الجدّ وهو يُمسك بيد حفيده والبسمة تملأ وجهيهما.