د. ق. اندريه ذكي
رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر


النص الكتابي:
إنجيل لوقا 24: 13 – 26
“وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا «عِمْوَاسُ». وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ. وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟» فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلِكَ. بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِرًا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضًا النِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟»"

مقدمة:
تهنئة بالعيد:

اخوتي الأحباء، اهنئكم بعيد القيامة المجيد، والذي نحتفل فيه بذكرى انتصار السيد المسيح على الموت، وقيامته حيًا من بين الأموات.

السياق المعاصر للعيد:
2 / 6
1- التحديات:
أ- الحروب:

نحتفل بعيد القيامة وسط اجواء عالمية مشحونة على كافة الأصعدة، ومنذ ان بدأت جائحة كورونا، اصبحت احتفالاتنا بالأعياد تأتي في اجواء ملتهبة. فبعد الجائحة رأينا الحرب الروسية الأوكرانية والتي هددت استقرار العالم كله. كما تستمر الحرب على اصحاب الارض في غزة والتي راح ضحيتها أكثر من أربعة وثلاثون ألف شهيد معظمهم من الاطفال والنساء.  

ب- أزمة اللاجئين:
وكعادة مصر، الشقيقة الكبرى للبلاد العربية بأكملها، كما استقبلت مصر أكثر من تسعة مليون من اللاجئين وهم يعاملون معاملة المواطنين.  

ج- غلاء الأسعار:
وبشكل عام فقد تأثرنا جميعًا بارتفاع الاسعار والتضخم العالمي والمحلي، وقد أدت هذه الأزمات العالمية لتأثيرات اقتصادية على المستوى العالمي والمحلي.
 
2- شعاع الأمل:
ووسط كل هذه الاحداث نأتي اليوم لنرنم "المسيح قام " بيقينية ان وراء كل برية هناك ارضا تفيض لبنا وعسلا، فالصليب كان ظلام لتابعي المسيا والقيامة كانت الامل والرجاء الذي غير العالم.

3- تلميذي عمواس:  
- تركا هذين التلميذين قريتهما الصغيرة، عمواس، التي تبعد عن اورشليم مسافة قصيرة، وتبعا يسوع.
- عاشا معه كل يوم، سمعوا فكره، فهموا توجهاته في الحياة، بل ورأوا معجزاته. مع ذلك، فقدوا ايمانهم في السيد المسيح بطريقة سريعة وعجيبة.

4- يصف لوقا البشير التلميذين بثلاث طرق:
أ- ماشيان عابسين:
3 / 6

- جميعنا يعلم ما هو الوجه العابس. انه ذلك الوجه ذو التعبيرات الحادة، المحبطة، الخائفة، التائهة. وجه يدل على أن الإنسان لا يعرف إلى اين يمضي وأن يذهب. فجأة، اختفى المعلم ولم يعودوا يفهموا أي طريق يسلكون.

ب- بلا رجاء:
- "ونحن كنا نرجو... ولكن.."  كان لديهم رجاء، ولكنه تبخّر بصلب المسيا.  كلمة "ولكن" تشير لحالة القلب وحال النفس.  
- نحن كنا نرجو أنه سيكون هو المخلص الذي يفدي، ولكن... كل شيء تغيّر واختفى الرجاء والأمان.

ج- في حالة من عدم التصديق:  
- والغريب أن التلميذين يعرفان أن بعض التلاميذ زاروا القبر ووجدوه فارغًا. فمع ذلك، كانوا "عابسين". لماذا هما عابسين رغم الاخبار التي يتناقلها التلاميذ؟  لأنهم لم يصدقوا التلاميذ.
- كانوا "عابسين" لأنهم كانوا يفكرون: ماذا سنعمل الآن؟ ماذا سنقول لعائلتنا؟ ماذا سنعلم اولادنا؟ انها نفس اسئلتنا اليوم، لأن تيهان النفس واحد.

5- يوم السبت:
أ- إن ظلام السبت هو صمت:
- ذلك اليوم الذي لا أحد يتكلم فيه. انه اليوم التالي لصلب السيد المسيح فوق الصليب حينما، استيقظ كل شخص على فراغ ضخم واحلام محطمة وقلب تائه.
ب- مشكلة السبت أنه يوم لا ثابت فيه:
- لا أحد يستطيع أن يجزم بأي شيء. تلميذي عمواس كانوا في حالة حيرة. والحيرة هي حينما لا يكون هناك وضوح في الرؤية، وأهتزاز الثوابت وتشوه الحقيقة.

ج- في ظلام السبت العين لا تميز:
- في السبت ساد الظلام لدرجة أنه حينما ظهر يسوع أمام التلميذين، لم يستطيعا أن يميزاه. ظلمة السبت تؤثر على القلب، تجعله يتخذ مسار سلبي في الحياة، لدرجة أنه حينما تتغير الظروف لا يستطيع الإنسان رؤية النور.

6- دعوني اتأمل معكم فيما فعله السيد المسيح لهذه النفس التائهة في ظلام السبت:
أ- كان يمشي معهم:
4 / 6

- البشير لوقا واضح وصريح، ورغم أنه قام وسار مع تلميذي عمواس، إلا أنهما لم يعرفاه. وكانا يتحاوران حول شكوكهما وحيرتهما.
- كان المسيح هناك وسط أعمق صراع في النفس. في رأيي، ربما كان هذا أصعب حوار استمع له السيد المسيح. انه حوار بين اثنين يشكون فيه، مع ذلك، يقول لوقا: "كان يمشي معهما".

ب-  كان يستمع لهم:
- لم يكن استماع السيد المسيح لهما استماع سلبي، بل كان ينصت لهما بتمعن، يوجه لهم الاسئلة. "ما الذي حدث في اورشليم؟" برغم علمه بكل ما حدث، فقد عاش كل الأحداث، بل كان بطلها، ولكنه أراد لهم أن يعبروا عن رؤيتهم وما بداخلهم.
ج- التلاميذ يردون عليه بطريقة تحتوي على استخفاف:
- "هل انت متغرب وحدك في اورشليم؟"  واقول لكم بصدق أن هذه طبيعة الإنسان، دائمًا يظن أنه يفهم ما يحدث من حوله فقد ظن تلميذي عمواس أنهم يفهمون أفضل من السيد المسيح ... لا يدركون أنهم هم التائهين...
د- المسيح يذكر تلميذي عمواس بمَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ:
أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟»"
ه- ما تكلم به الأنبياء:
- فرغم أن السيد المسيح مات، ورغم أن الظلام ساد يوم السبت، لم يكن من المفترض أن يتوه التلاميذ بهذا الشكل. لقد ترك لهم المسيح الكلمة المقدسة – ما تكلم به الأنبياء، وانه كان ينبغي أن يجتاز في معصرة الألم.
و- حبة الحنطة:
- شبّه المسيح حياته بحبة الحنطة، التي يجب أن تموت أولاً، أن تُدفن في عمق الأرض أولاً، قبل أن تخرج حياة من ذاتها واعماقها.
- لم يفهم التلاميذ هذا الدرس، وقالوا وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ...

7- المسيح يصحح مفاهيم التلاميذ:
" ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ"
5 / 6
- قام السيد المسيح بتصحيح مفاهيم التلاميذ من خلال ما تكلم به الأنبياء، لقد عاد بهم السيد المسيح لنفس الكلمة المقدسة التي كانت معهم يوم السبت! لم يقدم إضافة، فكل شيء موجود في الكلمة المقدسة.
8- نصرة القيامة:
" فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ" (لو 24: 31 – 34).
أ- فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ:
- انفتحت عيون قلوبهما اولاً، فأدركا أن السيد المسيح، القائم من الموت، حي ويقف إلى جانبهما، بل كان يسير معهما طريق اليأس والعبوس، كان المسيح ملازما للتلاميذ في أحلك الأوقات، وانفتحت عيونهما وعرفاه.
ب- كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب:
- ربما أهم درس نتعلمه اليوم من قيامة السيد المسيح هي أننا نحن ايضًا لا ندركه، لا نفهمه، حينما يكون إلى جوارنا. فنحن عادةً لا نلمح حضوره بسبب الهموم التي تغطي عيوننا.
- فالسيد المسيح يتكلم، ولكن ربما اصوات ضوضاء هذا العالم تجعلنا لا نسمع، فالمسيح القائم من الموت حاضر في حياتنا من خلال كلمته المقدسة. فلنعُد مرة أخرى، نفتح الكتاب، ونأخذ وقتنا في الاستماع.

9- إرسالية من عمواس:
6 / 6

- ربما لم نسمع من قبل عن ذلك، ولكن البشير لوقا لديه رسالة أخيرة: لقد أصبح تلميذي عمواس رسل يحملون الأخبار السارة.
- من عمواس خرج الرجاء، من عمواس خرجت الإرسالية لأورشليم، لجميع من يشكون.

- نعم، في عيد القيامة اليوم، مهما كان الحال الذي تجد نفسك فيه، ثقتك في الله تحولك إلى منارة تنشر شعاع الأمل لكل من هم حولك.
- "إن الرب قام بالحقيقة!" رسالة يستطيع أن يرنمها القلب الذي اختبر قيامة السيد المسيح، الذي التقى معه وأدرك أنه غير متروك لصراعات الحياة، وليس وحيدًا يضارب طواحين الهواء...