ينقلها ويعلق عليها :
كمال زاخر
[2] تعليقات أولية
قبل أن نواصل عرض ما كتب بموسوعة "وصف مصر" عن مسيحيى مصر وخاصة الأقباط (المسيحيون من أصل مصرى) نتوقف قليلاً مع ما جاء فى الجزء السابق نشره هنا.
فى بداية هدا الفصل يورد المترجم الاستاذ زهير الشايب تعليقاً يقول فيه:
(من نافلة القول أن نذكر بأننا هنا بصدد أثر علمى يقتضى الواجب نقله بأمانة نصاً وروحاً، ومع ذلك فجدير بالذكر أن الصورة القاتمة هنا هى نموذج لحالة كل المصريين باختلاف طوائفهم فى ذلك العهد، حيث كان كل أبناء مصر يهانون وإن اختلفت الحجج والادعاءات بحسب مقتضى الحال، وبرغم ذلك فإن الصورة هنا تختلف فى كلياتها، بل يصل الاختلاف أحياناً لحد التناقض مع ما جاء فى دراسات أخرى بوصف مصر، نذكر منها ـ على سبيل المثال ـ ما جاء بدراسة دى بوا إيميه فى وصف مدينة منوف، وما جاء بدراسة "لانكريه عن نظام الضرائب على الأراضى الزراعية، وكذلك ما جاء بدراسة "جيرار" عن الزراعة والتجارة والصناعة. كما أنه لا يمكن التسليم بصحته بحال من الأحوال، بل لا يمكن تصور طرحه على الإطلاق، فليس هناك ما هو أيسر من دحضه).
وقد اورد المؤلف الفرنسى عديد من النقاط التى تكشف أنه اكتفى بما استقر فى ذهنه من تعاليم تذهب إلى تبعية القديس مرقس الإنجيلى للقديس بطرس الرسول، وهى مقولة شاعت فى سنوات الصدام فى عصر المجامع، سعياً لاعتبار كنيسة الاسكندرية رافدا لكنيسة روما.
وعندما يصف كنيسة مصر لا يسميها بمسماها الذى استقر لها فى عصور الكنيسة الأولى وعرفت به، كنيسة الاسكندرية كرسى مار مرقس، وبعد الإنشقاق الذى أعقب مجمع خلقيدونية، 451م، تحصنت الكنيسة بعباءتها القومية فصار اسمها كنيسة "الأقباط الأرثوذكس"، وتظل واحدة من الكراسى الرسولية الخمسة، محتفظة بموروثها اللاهوتى وتراثها الطفسى. رغم هذا يشير الكاتب اليها فى استعلاء لا تخطئه عين بأنها "طائفة من الهراطقة تخضع لبطريرك، ويتبع هؤلاء أراء أوتيخوس (أوطاخى) ونسطوريوس (نسطور).!!،
وهنا تتجلى عدم معرفته بايمان كنيسة الاسكندرية، التى تصدت لما قال به نسطور وفندته، فى مجمع افسس المسكونى، 431م، وكان البابا السكندرى كيرلس هو من تصدى له.
اللافت أن المؤلف يجمع بين نقيضين؛ بين نسطور الذى ذهب إلى أن شخص المسيح هو إنسان فقط حلت عليه "كلمة الله" بعد العماد فى نهر الاردن بيد يوحنا المعمدان، وفارقته عند الصلب، إذاً ـ بحسب نسطور ـ فإن اللاهوت لا يولد ولا يتألم ولا يموت. ولذلك فأن الله الكلمة قد سكن في شخص إنسان وبذلك يكون المسيح من شخصين.
وبين أوطاخى الذى انتفض ليدافع عن طبيعتى المسيح، فى مواجهة نسطور، وإن نسب إليه أنه يقول أن الناسوت قد ذاب في اللاهوت مثلما تذوب نقطة الخل في المحيط. أي أن الطبيعتين قد امتزجتا معًا في طبيعة واحدة.
وهو أمر اقترب منه باحثين معاصرين ورجعوا لوثائق خلقيدونية ليؤكدوا من خلالها أن أوطاخى لم يقل بهذا الكلام.
(للمزيد راجع مقال رجائى شنودة : اوطاخى المفترى عليه ـ https://tabcm.net/9900/).
وقد أكد "اوطاخى" بحسب الباحثين انه "فيما يتعلق بحضور الكلمة في الجسد، فأنا اعترف أنه حدث من جسد العذراء، وأنه صار إنسانا بالكمال من أجل خلاصنا” وبعد طلب للاستيضاح أضاف: “لم أتحدث قبلا عن جسد ربنا بكونه واحد في ذات الجوهر معنا، ولكني اعترف بأن العذراء كانت بالطبع واحدة في ذات الجوهر معنا، وأن إلهنا أخذ جسده منها”. فاستدركه أحد الأساقفة قائلا: “إن كانت الأم هي واحدة في الجوهر معنا، فلابد أن يكون هو نفسه واحدا في ذات الجوهر معنا!!” فأجاب أوطاخي: “فيما تقوله أنت الآن، أنا اتفق تمام الاتفاق”.
فكيف تؤمن كنيسة بالشئ ونقيضه، وهو ما نفاه باحث هندى ارثوذكسى فى كتاب هام جداً لكل من يسعى للتعرف على ملابسات مجمع خلقيدونية، والصراعات الساسية (والقومية) داخله بين كنيسة انطاكية وكنيسة الاسكندرية، والذى انتهى إلى حرم أوطاخى وحرم البابا ديسقورس، والكتاب متوفر باللغة العربية وعنوانه (مجمع خلقيدونية ... اعادة فحص) للأب ف . سي . صموئيل، ترجمة دكتور عماد موريس اسكندر، ومراجعة دكتور جوزيف موريس فلتس، ومن اصدارات دار باناريون.
ملاحظة:
ماأوردته متعلقاً باوطاخى هو طيف من جدل يدور فى اروقة الباحثين، ونأمل ان يأتى وقت فى سياق السعى المسكونى للوحدة المسيحية تجلس فيه الكنائس معاً وتعيد فحص النقاط الملتهبة والمناطق الخلافية، بهدوء وموضوعية فى ضوء الكتاب والآباء لنصل إلى اتحاد الإيمان ونكون معاً آنئذ "كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية".
نعود فى مقال تال لنستكمل ما سجلته موسوعة "وصف مصر" عن الأقباط، فإلى لقاء