ماجد سوس
تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة الذهبية التي قالها الحكيم سليمان قديماً وكأنه يعرف أنها ستظل معضلة إنسانية في كل العصور حين يسقط الإنسان من إنسانيته ويفقد حاسة التمييز فلا يعرف متى يتكلم ومتى يصمت. رنت تلك الكلمات في أذني في الأيام الأخيرة حين رأيت رد فعل البعض على الاعتداء الغاشم الذي حاق بأحد أساقفة الكنيسة الآشورية في أستراليا والذي اعتبرته الشرطة بالحادث الإرهابي.
تسارعت ردود الأفعال في كل مكان شرقا وغربا وراحت الهيئات والمنظمات والكنائس في كل أنحاء العالم تدين هذا الاعتداء مهتمة بمعرفة الحالة الصحية للأسقف المعتدى عليه. على الجانب الاخر قام الكثير من أبطال الإيمان الزائف بالصراخ والعويل، قائلين: أياكم أن تستمعوا لتعاليم هذا الرجل لأنه نسطوري مهرطق وبدأوا يفندون إيمان الكنيسة الآشورية ويتهمونها بالهرطقة.
فجأة ظهر على الشاشة كاهن قبطي من أستراليا يشيد بالأسقف المعتدى عليه ويقول إنه خدم في الكنيسة القبطية لسنوات فشرب من تعاليمها ثم ظهر كاهن آخر يلمّح أن الرجل لو قتل لن يصبح شهيدا لأن الشهادة في المسيحية، في نظره، لا تعطى للهراطقة، بل لمن يحمل إيمانا صحيحاً!
على الجانب الآخر سارع بعض رجال الكنيسة الآشورية هم أيضا بمهاجمة الأسقف المعتدى عليه بحجة أنه ترك إيمانهم وذهب وراء إيمان آخر ولربما يقصد الإيمان القبطي. وهنا ترك الطرفان آلام الرجل وتباروا في تكفيره.قال أحدهم إسألوه عن العذراء مريم هل هي "والدة الإله" أم "أُم المسيح" وسنعرف إذا كان نسطوريا أم لا.
من دوره أصدر نيافة الأنبا دانيال رئيس دير الأنبا شنودة بسيدني بيانا نعت فيه الأسقف الآشوري بأنه صديقه العزيز ولقّبه ب "صديقي العزيزبصاحب الغبطة الأنبا مار ماري إيمانويل الذي أعرفه منذ عام 2009." وآشار أنه كان يعقد معه وزملاءه دراسات كتابية وموضوعات أخرى وقال انه كان يهتم بالكنيسة القبطية وكان روحانيا وقد جردته الكنيسة الآشورية من رتبته لأنه اشتكى من بعض عقائد كنيسته القديمة،وأنه تأثر بالكنيسة القبطية تخذ قداسة البابا شنودة الثالث قدوة له،ويكرّم السيدة مريم
ويطلق عليه القبأمّ الله، ويحبّ قديسيّ الكنيسةا لقبطية،وخاصةً البابا كيرلس السادس.
وما يهمني في كل ما كتبه نيافة الأنبا دانيال ما قاله صراحة بأنه "ليس وقتا للمناظرات اللاهوتية"
نسطوريوس هذا كان بطريركا على القسطنطينية وبدايته كانت جيده فقد حارب الهرطقة الأريوسية، ولكنه اختلف مع القديس كيرلس في أمران عقد بسببهما مجمع تم فيه حرمانه. الأمر الأول أنه أنكر على العذراء مريم لقب والدة الإله لذلك وضع مجمع نيقة مقدمة قانون الإيمان الذي وضع فيها صراحة لقب والدة الإله. المدافعون عن نسطور قالوا إنه خشي فقط ليفهم غير المسيحيين أن لقب والدة الإله يجعلها إلهة حيث سيتصور البعض أن الله تزوج من مريم، كما أنه خشي من عدم التركيز على الناسوت فالأفضل أن يقال إنها أم المسيح.
أما القديس كيرلس الكبير فقد نظر إلى الأمر من الجهة الأخرى وهي إن إنكار لقب والدة الإله سيجعل البعض يتصور أن المسيح لم يكن إلها وهو في بطن أمه ومعناه ان التركيز على الناسوت سيفوق التركيز على اللاهوت ومعناها انفصال الطبيعتين.
والحقيقة إن العذراء هي والدة يسوع الإله ويسوع الإنسان في ذات الوقت أي إنها والدة الإله المتجسد وتكون قد حصلت على هذا اللقب زمنيا حين تكلم معها الملاك جبرائيل وبشرها وليس قبل هذا.
الخلاف الثاني كان حول طبيعة المسيح، ولأن تركيز نسطور على الناسوت قال أن للمسيح طبيعتين متحدتين بغير انفصال او امتزاج او تغيير، وكيرلس الكبير تركيزه على اللاهوت فيقول طبيعة واحدة لكلمه الله المتجسد من طبيعتين بغير انفصال او اختلاط او تغيير، وقال هذا خوفا من أن يقول أحد أن الطبيعتين انفصلوا بعد الإتحاد.
نعود يا أحبائي إلى الحادث الأليم الذي وقع مع الأسقف الآشوري مار ماري إيمانويل وكيف انتهز الأمر البعض لمهاجمته وكنيسته التي ينتمي إليها دون الالتفات لا لآلام الرجل ولا لآلام اسرته وشعبه بل راحوا يبحثوا عن أخطائه متناسين تعاليم الرب يسوع المسيح بحياته حين كان يعرف متى يتكلم ومتى يصمت فحين ادرك ان الرد على خصومه وسط الجو المشحون بالعدائية لا يجدي نفعا، علمنا اقتناء روح التمييز و «ظل ساكتا» (متى ٢٦ : ٦٣) وعندما مثل لاحقا امام بيلاطس عند محاكمته، «لم يُجِب بشيء». فقد اتصف بالفطنة وفضّل ان يدع اعماله تتكلم نيابة عنه(متى ٢٧:١١).
أما نحن فيحسن بنا أن نتعلم ونعلم أولادنا كيف نضبط شفتينا، وكيف نكسب الآخرين بصمتنا حيناً وبكلمات المحبة حينا آخر وأن التعصب لا يبني المجتمعات والكنائس ولو كنت تملك إيمانا ينقل الجبال وأن الحق الممزوج بالرحمة هو من حررنا من خطايانا. ولنعلم أن الرد الجارح في حو يشوبه التوتر قد يجعلنا نخسر أنفسنا والآخرين.
فلنقل مع سليمان الملك الحكيم دائما أن كثرة الكلام لا تخلو من المعصية، أما الضابط شفتيه فهو فطين.