محرر الأقباط متحدون
صادفت يوم أمس الاثنين الذكرى السنوية الثلاثون لبداية عميات الإبادة التي شهدتها رواندا، من السابع من أبريل نيسان ولغاية الرابع من تموز يوليو ١٩٩٤. بدأت أعمال القتل غداة اغتيال الرئيس الرواندي هابيا ريمانا، استمرت لمائة يوم تقريباً وحصدت مليون ومائة ألف ضحية من التوتسي والهوتو المعتدلين. للمناسبة أجرى موقعنا الإلكتروني مقابلة مع رئيس أساقفة كيغالي الكاردينال أنطوان كامباندا الذي سلط الضوء على جهود الكنيسة على الصعيدين الخلقي والمدني.
بعد ثلاثين سنة على هذه الصفحة المظلمة من تاريخ رواندا ما تزال البلاد تسعى إلى السير في درب المصالحة والوحدة والنمو وإعادة الإعمار. ومما لا شك فيه أن الكنيسة المحلية تقدم هي أيضا إسهامها في هذا المجال من خلال إطلاق رعوية للمصالحة والإصغاء، وهي ما تزال تهتم بشؤون الناجين فضلا عن نشاطها التربوي.
استهل نيافته حديثه لموقع فاتيكان نيوز مستذكراً ما حصل في ذلك اليوم، لثلاثين سنة خلت، وقال إنها مأساة لا يمكن وصفها، وقد اتضحت من خلاها فداحة خطية الإنسان والحقد الأعمى الذي أدى إلى ما حصل. ولفت إلى أن رواندا شهدت محاولة لإبادة شعب بأكمله في أواخر القرن العشرين، وقد حصلت عمليات الإبادة أمام أعين العالم كله. وتابع يقول: نشكر الله لأنه بعد ثلاثين عاماً تمكنت البلاد من تخطي ما جرى وهي تسير في درب المصالحة والوحدة، مشيرا إلى ما كتبه القديس بولس الرسول "حيث تفيض الخطية تفيض أيضا النعمة"، وهذه النعمة تتمثل في إمكانية العمل معاً من أجل تحقيق المصالحة والنمو.
مضى رئيس أساقفة كيغالي إلى القول إنه خلال العقود الثلاثة الماضية وجهت الكنيسة الرواندية نشاطها الرعوي نحو المصالحة، وبعد أعمال الإبادة حاولت الكنيسة أن تعتني بأسر الضحايا وساهمت في عملية دفن الجثث، كمحاولة لتحقيق المصالحة مع الأموات، مبتهلة الرحمة من الله. وأوضح أن المصالحة تتم على مستويات ثلاثة: أولا المصالحة مع الله، لأن كل شر يرتكبه الإنسان تجاه أخيه الإنسان هو في الواقع خطية تصرخ في وجه الله. ثانيا، المصالحة مع أنفسنا، مع تاريخنا لأن ثمة صراعات داخلية، وأعمال خيانة، فضلا عن الشعور بالذنب حيال عدم القدرة على إنقاذ حياة الأشخاص، ومع الآخرين، كي نتمكن جميعاً من العيش بسلام ووئام. وهناك ثالثاً وأخيراً المصالحة العملية، التي تتم من خلال مساعدة الناجين عبر هيئة كاريتاس، وبناء البيوت المهدمة، ومساعدة الأشخاص الذين اتُهموا بارتكاب المجازر ومن ظلوا غير مبالين.
بعدها أوضح نيافته أن عمليات الإبادة الرواندية جاءت ثمرة تاريخ طويل من إيديولوجيات ولّدت انقسامات، وثمة سياسة فرّقت بين الناس، من خلال ذِكْر العرق على بطاقة الهوية، ما أحدث شرخاً أيضا وسط العائلة الواحدة. وقد أدى هذا الأمر إلى ارتكاب مجازر داخل الأسرة نفسها، بسبب انتماء الأفراد إلى عرقين مختلفين. ولفت نيافته إلى أن تحقيق العدالة ليس بالأمر السهل، نظراً لوجود أكثر من ثمانمائة وثلاثين ألف سجين، ومحاكمتهم جميعاً قد تستغرق أكثر من مائة عام.
في الختام قال رئيس أساقفة كيغالي إن إحياء ذكرى عمليات الإبادة الرواندية بحق التوتسي يصادف غالباً مع زمن الفصح. وأضاف أن الموت يؤلمنا كثيراً، بيد أن رجاءنا يكمن في القيامة موضحا أن بلاده التي ذاقت طعم الألم والموت تسير اليوم نحو القيامة، ولا بد أن نرفع الشكر لله على هذا الأمر. وشاء نيافته أن يوجه رسالة إلى أخوته الأساقفة في أفريقيا والعالم، مذكرا بأن الانقسامات والحقد والعنف والحروب توجد في كل مكان، فيجب ألا نستسلم للتجربة ولخطية الانقسام، بل علينا أن نبني الأخوة لأننا "جميعنا أخوة" Fratelli Tutti كما يؤكد لنا البابا فرنسيس.