CET 09:23:37 - 26/09/2009

مقالات مختارة

بقلم : د‏.‏ رفعت السعيد

كان المهراجا مصابا بأرق مزمن يتقلب في فراشه طوال الليل ولايكاد يغمض عينيه إلا عند الفجر وما أن تستقر جفونه في غفوة قصيرة حتي يقلقه صياح الديك‏,‏ كل يوم يصيح الديك عند الفجر‏..‏ لماذا؟ سأل المهراجا كثيرا من العلماء ولم يجدوا إجابة‏,‏ احدهم اقنع المهراجا بإجابة تقول كان الديك يمتلك ذيلا من ريش جميل جدا ثم جاءه الطاووس قائلا‏:‏ غدا ليلا زفافي اعطني ذيلك ازهو به في زفافي ثم اعيده عند الفجر‏,‏ ولم يعد الطاووس بالذيل أبدا‏..‏ ويظل الديك يصيح عند الفجر مطالبا بالذيل الجميل ولامجيب‏,‏ وكلما تتجدد مطالبات الأقباط بتمثيل جاد وإيجابي في البرلمان اتذكر هذه الحكاية فقد اوشكت لجنة الثلاثين التي وضعت دستور‏1923,‏ علي النص في الدستور علي التمثيل النسبي للأقباط ـ أي منحهم كوته تماثل نسبتهم في عدد السكان‏,‏ لكن الأقباط رفضوا ذلك بشدة مؤكدين الكوته للأقباط تضعهم في موضع من يطلب ضمانات لايحصل عليها اخوانهم المسلمون وأنهم لايقبلون إلا التمثيل عبر الانتخابات واعود إلي محاضر اجتماعات لجنة الدستور لنقرأ‏.‏

ـ سعادة محمد علي باشا‏:‏ ليس في تمثيل الأقباط بدعة مطلقا‏,‏ واري ان هذا جوهري جدا لحفظ وحدة الأمة المصرية والدفاع عنها‏,‏ ويقدم محمد علي باشا اقتراحا مكتوبا بإضافة النص التالي يجري الانتخابات العامة بالطريقة التي قررناها فإذا اسفرت النتيجة عن انتخاب عدد يتفق مع نسبة الاقليات انتهي الأمر وإلا اجريت انتخابات جديدة يشارك فيها المسلمون والأقباط معا لانتخاب العدد اللازم من الأقباط‏.‏

ـ حضرة عبد الحميد بك‏:‏ ان تقسيم التمثيل علي هذه الصورة التي تميز بين اقلية وأكثرية يحيي فكرة التعصب التي نرجو كلنا ان تمحي نهائيا‏,‏ نحن نريد سياسة قومية خالصة لاتلتفت في طريقها النبيل إلي الأديان والمذاهب ولكنها تتجه دائما إلي مصلحة الوطن‏,‏ أرجو ان نحتفظ بالوحدة القومية ولانضع بأيدينا نظاما يفرق بين عناصر الأمة فيشطرها إلي اقليات واكثريات‏,‏ إن الحياة لاتكون بعد ذلك إلا مشادة بينهما‏.‏

[‏الدستور ـ تعليقات علي مواده بالأعمال التحضيرية حـ‏1‏ ـ ص‏20‏ ـ إصدار مجلس الشيوخ‏1940].‏

وفي الجلسة التالية‏7‏ مايو‏1922,‏ بدأ سعادة حسن باشا رشدي الجلسة باستكمال النقاش حول ذات الموضوع‏,‏ وتلي في بداية الجلسة تلغرافا ورد له من الأستاذ وديع صليب المحامي بالمنصورة وهذا نصه الأقباط قبل المسلمين يعارضون تخصيص مراكز برلمانية للأقباط الذين لايقبلون ضمانات خاصة لمصالحهم خلافا للضمانات البرلمانية لكل الشعب المصري‏,‏ وكل تخصيص من هذا النوع هدم للقومية المصرية التي حافظت عليها الأمة بهدر دمائها‏,‏ ولن يخرج قبطي علي الأمة بتقدمه للانتخابات لتمثيل الاقلية وبدأ النقاش‏.‏

ـ حضرة توفيق بك دوس‏:‏ في يناير الماضي كان انتخاب أعضاء المجلس المحلي لبندر أسيوط وقد جرت العادة منذ عهد بعيد أن أعضاء المجلس الأربعة يكون ثلاثة منهم مسلمين والرابع قبطيا‏,‏ وفي هذه المرة انتخب أربعة من المسلمين‏,‏ وبالرجوع إلي قانون الانتخابات وجدناه يقضي بأنه إذا استقال عضو أو توفي يحل محله من نال أكثر الأصوات بعد الأربعة المنتخبين ـ وكان قبطيا واستقال سعادة محمد بك بسيوني أو احد النواب الأربعة المنتخبين وحل محله العضو القبطي‏.[‏ المرجع السابق ـ ص‏25].‏

ـ حضرة إلياس عوض بك‏:‏ نحن نشعر بشعور الأقباط فإن حلت المسألة لغير مصلحتهم نتج عن ذلك امتعاض شديد‏,‏ ولذلك اوافق علي اقتراح سعادة محمد علي باشا بضرورة تمثيل الأقباط نسبيا‏.‏

ويستغرق الأمر عديدا من الجلسات وشارك في النقاش توفيق بك دوس وأنبا يؤانس وعبدالحميد بدوي بك ومحمود أبو النصر بك ومحمد علي باشا وعلي المنيلاوي بك وكان أكثر المؤيدين لاقتراح التمثيل للأقباط من المسلمين وبعض الأقباط‏,‏ وأكثر المعارضين من الأقباط وبعض المسلمين‏.‏

وكانت هناك برقيات عديدة اغلبية أصحابها من الأقباط يعارضون هذه الفكرة‏,‏ وفي جلسة‏25‏ أغسطس‏1922,‏ قررت اللجنة بالاغلبية رفض هذا الاقتراح ليس اعتراضا علي تمثيل الأقباط وإنما تأكيد علي تماسك الأمة المصرية وتوحيد الضمانات الانتخابية بحيث يكون المصريون سواء أمام القانون الانتخابي‏.‏

وكان المعترضون علي التمثيل النسبي من الأقباط‏,‏ يستندون إلي مناخ عام يحترم الحقوق المتكافئة وإلي حزب اغلبية يحترم ذات الحقوق‏,‏ فما ان اجريت أول انتخابات علي أساس هذا الدستور حتي عمد سعد زغلول إلي ترشيح عديد من الأقباط نجحوا جميعا‏,‏ لكن المثير للدهشة هو ان سعدا حاول ان يضرب فكرة التمييز بين المسلم والقبطي في مقتل فسأل عن دائرة لايوجد فيها قبطي واحد وكانت المطرية دقهلية فرشح فيها ويصا واصف بك ولم تكن له أي علاقة بالدائرة وفاز ويصا في الانتخابات بفضل مساندة الوفد وزعيمه‏.‏

ويبقي الديك ليؤذن فجر كل صباح مطالبا بالذيل الجميل المتعدد الألوان‏,‏ ويبقي ان نسأل انفسنا من هو الديك؟ هل هم الأقباط الذين يطالبون ولايملون بحقهم في تمثيل برلماني يتكافأ مع نسبتهم في السكان وان يتم عبر الانتخاب وليس عبر التعيين‏,‏ أم هو الوطن الذي يصيح كل صباح مناديا كل أبنائه ان يرفضوا التمييز وينبذوا منهج التأسلم الذي يروج له خصوم الوحدة الوطنية‏,‏ ويدعو المصريين إلي هزيمة المنهج الظلامي الذي يستبعد الأقباط ـ وينادي كل الأحزاب خاصة حزب الأغلبية ان تفعل مافعله سعد زغلول فترشح وتساند وتدعم عديدا من الأقباط ليس من أجل التباهي بهم ولامن أجل إسكات صياح الديك وإنما لأن هذا واجبنا جميعا ولأن هذا حقهم وحق المصريين جميعا‏,‏ ولأن هذه هي مصر التي نريدها والتي نستحقها‏.‏

نقلا عن الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع