هيئات الصيدلة الوطنية في 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية خلال العام الماضي
يعاني العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، من أزمة في إمدادات الدواء بدأت في العام 2022 وتفاقمت في أواخر العام الماضي، فيما تتصاعد وتيرة التساؤلات عن أسباب الأزمة ودور شركات الأدوية العالمية في ذلك، وما إذا كانت متورطة في عمليات احتكار لبعض الأدوية من أجل التلاعب في أسعارها.
وكشف تحقيق صحافي مطول نشرته جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية، واطلعت عليه "العربية نت"، أن نقص الأدوية بلغ ذروته أواخر العام الماضي 2023، ووصل مؤخراً إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء البلدان في أوروبا، أما في الولايات فقد وصل العام الماضي إلى ذروته وسجل أسوأ وضع خلال 10 سنوات.
وقال التحقيق إن هيئات الصيدلة الوطنية في 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية المختلفة خلال العام الماضي.
وفي حين تركز شركات الأدوية الكبرى على تطوير أدوية مبتكرة يمكنها بيعها بموجب براءات اختراع وبهوامش ربح عالية، واسترداد تكاليف البحث والتطوير، فإن الأدوية التي لا تتمتع ببراءات اختراع تشكل العمود الفقري للرعاية الصيدلانية، حيث إن 91% من الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة و70% في أوروبا هي أدوية شائعة وليست محمية ببراءات الاختراع، ومع ذلك تعاني بعض هذه الأنواع من النقص في الأسواق.
وعلى الرغم من دورها الأساسي في الرعاية الصحية العالمية، فقد اجتمعت مشكلات التصنيع وسلاسل التوريد الضعيفة وانخفاض الأسعار لإنشاء "سوق مكسورة" لهذه الأدوية مما يجعلها غير جذابة للإنتاج وعرضة لصدمات العرض والطلب، بحسب ما نقلت "فايننشال تايمز" عن خبراء في سوق الأدوية.
ويقول روب موس، مستشار الصيدلة في مستشفى في أوتريخت بهولندا: "يعتمد النظام برمته على مبدأ الحصول على الدواء في الوقت المناسب وأي خلل فيه يؤدي إلى نقص".
وفي بريطانيا كان هناك نقص في 99 دواءً في يناير الماضي، أي ضعف العدد الذي تم إحصاؤه قبل عامين، وفقاً لجمعية مصنعي الأدوية العامة البريطانية، وهي هيئة تجارية. وقد أثر ذلك على إمدادات الأدوية مثل العلاجات البديلة للهرمونات وأدوية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويرجع ذلك جزئياً إلى الارتفاع الكبير في الطلب.
وتقول كلوديا مارتينيز، رئيسة قسم الأبحاث في مؤسسة "الوصول إلى الطب"، وهي منظمة أوروبية غير حكومية: "عندما تكون هناك ندرة في المعروض من المنتج، فإن العرض الشحيح تقريباً، بدون استثناء، سيذهب إلى من يدفع أعلى سعر".
وبالنسبة للمرضى، فإن النقص في الأدوية يُترجم في نهاية المطاف إلى علاج أقل فعالية. حيث أفاد الأطباء في دراسة باكستانية أجريت عام 2021 أن النقص أدى إلى تأخير العلاج ومضاعفات المرض وحتى خطر الوفاة.
وقالت ثلاثة أرباع مجموعات الصيدلة الوطنية الأوروبية التي شملتها دراسة أجريت في العام الماضي إن النقص في الأدوية أدى إلى علاج أسوأ، وقالت 15 في المائة منها إنها أدت إلى أحداث سلبية مثل المزيد من الآثار الجانبية على المريض.
ويقول داريو تراباني، الطبيب في المعهد الأوروبي لعلم الأورام في ميلانو، إنه عندما سمع أن دواء يسمى باكليتاكسيل، وهو "العمود الفقري لعلاج النساء المصابات بسرطان الثدي"، كان ينفد في إيطاليا، شعر بالخوف، لأن لديه عدد قليل من البدائل الجيدة للدواء.
ويقول تراباني، الذي يرأس أيضاً لجنة أدوية السرطان التابعة للجمعية الأوروبية لطب الأورام، إن أعضاء أبلغوا في الأشهر الستة الماضية عن نقص في "الأدوية الرخيصة للغاية" من النوع الذي "يستخدمونه كل يوم" في جميع أنحاء القارة.
وتقول "فايننشال تايمز" إن الاعتماد على المصانع الصينية للحصول على المكونات الصيدلانية الفعالة ساهم في النقص المستمر في المضادات الحيوية في أوروبا في عام 2022، ويرجع ذلك جزئياً إلى القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا في الصين.
الى ذلك، أدى انخفاض أسعار بعض الأدوية إلى إبعاد المنافسة ومنع الوافدين الجدد من دخول السوق. ويقول ريتشارد ساينور، الرئيس التنفيذي لشركة ساندوز، وهي شركة مصنعة للأدوية انبثقت عن شركة نوفارتس في العام الماضي: "نظراً لأن الأسعار كانت مروعة للغاية، لم يهتم أحد باستثمار رأس المال لدخول هذا المجال لأنه لم يكن سوقاً جذاباً".
وقد أدى النقص أيضاً إلى التدقيق في كيفية شراء أنظمة الرعاية الصحية للأدوية، حيث أطلقت لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة الشهر الماضي تحقيقاً في الدور الذي لعبته في النقص ما يسمى بمنظمات الشراء الجماعي، التي تشتري الأدوية للمستشفيات الأميركية ومقدمي الرعاية الصحية الآخرين. وسوف تقوم لجنة التجارة الفيدرالية بتقييم ما إذا كان هؤلاء "وسطاء الأدوية غير الشفافين"، على حد تعبير رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان، يثبطون موردي الأدوية.