( 315- 388 )
إعداد/ ماجد كامل 
تحتفل الكنيسة القطية يوم  22 برمهات من الشهر القبطي الموافق 31 مارس من الشهر الميلادي بتذكار نياحة القديس كيرلس أسقف  أورشليم ( وهو بالطبع  غير القديس كيرلس الكبير أسقف الإسكندرية  الذي نحتفل بتذكاره 3 أبيب الموافق 10 يوليو وذلك منعا للبس  ) .
 
  ولقد كتب عنه السنكسار القبطي  فقال " ولد هذا الأب بأورشليم سنة 315 م وتربي  تربية مسيحية  وأتقن العلوم الروحية والآداب اليونانية .
 
رسمه القديس مكسيموس أسقف أورشليم شماسا ثم كاهنا وأوكل إليه إرشاد الموعوظين  من اليهود والوثنيين في كنيسة القيامة ، فأقام علي ذلك ستة عشر  عاما يعلم عقائد الديانة المسيحية  ويلقي العظات  ، وكان كثيرون يتزاحمون حوله لسماع عظاته . ولما تنيح أسقف  أورشليم اختاروه أسقفا خليفة له ، فاتسع أمامه مجال العلم والتعليم . وكانت الهرطقة الأريوسية قد انتشرت ، وكان القديس كيرلس من أشد المقاومين لها ، لذلك كان هدفا لسهام الهراطقة الأريوسين حتي نفي عن كرسيه ثلاث مرات احتملها بصبر وشكر ورجع إلي كرسيه سنة 370 بعد موت الملك فالنس الأريوسي .
 
وقد حضر هذا الأب مجمع القسطنطينية سنة 381 م ، وكان من  أبرز الحاضرين في المجمع .  ألف هذا القديس كتبا كثيرة عن التجسد وقانون الإيمان وعماد الموعوظين . ولما أكمل سعيه الصالح تنيح بسلام . (  السنكسار القبطي تحت يوم 22 برمهات ) . 
 
ويذكر عنه القمص تادرس يعقوب ملطي في كتابه "   القديس كيرلس الأورشليمي حياته ،مقالاته لطالبي العماد ، الأسرار "    " أنه كان راعيا صالحا ، ويستشهد بالمؤرخ الشهير سوزمومين Sozemen (400-  450 ) حيث يذكر  أنه حدثت مجاعة في كل أورشليم والبلاد المجاورة لها ، فتجمع الفقراء  أمام البطريركية يتضورون جوعا ، رافعين نظرهم إلي أسقفهم المملوء حبا ؛ ولما كانت البطريركية فقيرة لا تمتلك شيئا ، وكان القديس يعيش في حياة نسكية شديدة ، قرر أن يبيع بعض أواني الكنيسة ويوزعها علي أولاده الفقراء . 
 
ولقد تعرض القديس كيرلس للنفي ثلاث مرات كما ورد في السنكسار ،  أما تفاصيل الثلاث مرات فهي :- 
أولا :- النفي الأول :- ( 357 ) . 
اتهم الأريوسيون القديس بالتبرع  بملابس وحلي الكنيسة ( وقت  المجاعة السابق ذكرها ) ،  وأدعوا أن أحدي الممثلات ظهرت بهذه الملابس . فأقاله الحاكم وأقام محله أسقفا أريوسيا ،  فلجأ إلي إنطاكية ، حتي عقد مجمع سلوقية عام 359م ؛ وأعاده إلي كرسيه .
 
ثانيا :-  النفي الثاني :- ( 359 ) .
وفي نفس سنة عودته إلي كرسييه ، عقد مجمع في القسطنطينية ، وحكم بنفيه مرة أخري ، ولم يرجع القديس إلي كرسيه إلا عام 362م عندما أصدر الإمبراطور "يوليانوس الجاحد " عفوا عن جميع الأساقفة المنفيين رغبة منه أن يظل الصراع بين المسيحين والأريوسيين قائما ، مما يضعف الديانة نفسها . وشاهد كيرلس في إيبارشته محاولة يوليانوس إعادة بناء الهيكل ( هيكل سليمان ) ، والصاعقة التي نزلت علي أسسه ( كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي ؛ صفحة 596 ) . 
 
ثالثا :- النفي الثالث ( 367 م ) . 
وفي تلك الفترة تولي الإمبراطور فالنس  Valenes (  328- 378 م)  ، وكان ذو ميول أريوسية  ، فلم يستطع القديس   أن يواجه نفوذ الإمبراطور ، فغادر أورشليم خلال عام 367 ، ولم يعد إليها إلا بعد وفاة الإمبراطور عام 378 . ولقد   أكد مجمع القسطنينية المسكوني عام 381  شرعية سلطته حيث قال " إنه انتخب قانونيا ، وكثيرا ما قاوم الأريوسين " ( كيرلس سليم بسترس ، نفس المرجع السابق ، صفحة 596 ) . 
ولقد تنيح القديس كيرلس الأورشليمي عام 387 م ، وتعيد له الكنيسة القبطية في 22 برمهات ( 31 مارس ) ، أما الكنيسة الرومانية فتعيد له في 18 آذار (   ما يقابل مارس بالميلادي   ) جلس فيها  علي الكرسي الأورشليمي 38 سنة ، قضي منها 16 سنة منفيا ( كيرلس سليم بسترس ، نفس المرجع السابق ، صفحة 597 ) .
 
كتابات القديس كيرلس الأورشليمي :- 
ذكر العالم الإلماني الشهير جوهانس كواستن   Johans Quaston(  1900- 1978  )  بعض الكتابات  المنسوبة له ، نذكر منها :- 
عظات الموعوظين :- 
وتتكون من 24 عظة ،  ألقي أغلبها فى  كنيسة القبر المقدس ، وهى تعتبر من ذخائر الكنوز المسيحية القديمة ،  ويذكر كواستن أنها كتبت بطريقة
الإختزال ، مما يعني أن شخصا ما قام بالكتابة وراءه ، ولم يكتب هو بنفسه ( كواستن :- علم الآبائيات ، المجلد الثالث ،  صفحة 479 ) . وتشمل
 
العظات مجموعتين :- 
أ‌- المجموعة الأولي  :- تشمل عظة تمهيدية و18 عظة موجهة  إلي المرشحين للمعمودية ( الموعوظين )  . وكانت تلقي أثناء موسم الصوم الكبير ، 
ب‌- المجموعة الثانية :- تشمل التوجيهات التي تقدم للمجموعة الأولي قبل نوال السر المقدس ، وتبدا بعبارة حماسية بليغة يقول فيها " إن مذاق النعيم قد صار عليكم بالفعل ،  أنتم الذين أتيتم لتستنيروا ؛ لقد بدأتم في قطف الزهور الروحية كي تنسجوا أكاليلكم السماوية . بالفعل أنتم تفوحون  بعبير الروح القدس . ولقد بلغتم الردهة الملكية  . فليقودكم الملك بنفسه " ( كواستن ؛ نفس المرجع السابق ، صفحة 473 ) . 
 
ثم يشدد القديس عليهم بعد ذلك بضرورة المواظبة علي الصوم والصلاة وضبط النفس وتقوية الإرادة . ويشدد القديس عليهم بضرورة السرية ، وعدم البوح بما يتعلمونه فيقول " حينما تنتهي الإرشادات ، إذا حاول  أي موعوظ أن يحصل منك علي ما قاله لكم معلموك ، فلا تقل  لهم شيئا ، لأنه ما زال خارج  السر  الذي سلمناه لك (نوال  المعمودية المقدسة ) .صن السر الذي سلمناه لك ، ولا تدع أحد يقنعك قائلا أي ضرر في أن  أتعلم أنا  أيضا  ؟  أناشدك أن أن لا تفشي السر خارجا ( كواستن  ، نفس المرجع السابق ن صفحة 473 ) .
 
(  لمزيد من التفاصيل حول هذه المجموعة  من العظات ، يمكن الرجوع إلي كواستن :- علم الآبائيات ، الجزء الثالث ، الصفحات من  472 – 478 ) .
 
الرسالة إلي الإمبراطور قسطنطيوس :- 
وقصة هذه الرسالة أنه حدث  في يوم 7 مايو 351م ، وفي حوالي الساعة الساعة السابعة صباحا في يوم مشمس جميل ، ظهر  صليب منير في السماء . وبقي ساعات طويلة حتي شاهده كل سكان أورشليم ، ولقد تركت هذا الظهور أثرا جميلا في كل المدينة ، فكتب القديس رسالة إلي الإمبراطور يصف له ما حدث بالضبط ، ومن بين فقرات الرسالة  نذكر " لأنه في نفس  أيام عيد العنصرة المقدس ، في اليوم السابع من شهر مايو ، ظهر في حوالي الساعة الثالثة صليب عملاق مكون من نور في السماء فوق جبل الجلجثة ويمتد إلي جبل الزيتون .ولم يري بواسطة فرد أو  أثنين فقط ، ولكنه ظهر بوضوح أمام كل سكان المدينة .
 
ولم يختف سريعا كشيء متخيل ، كما قد يفترض أحد ، ولكنه كان  واضحا للجميع . وكان يتلألأ بنور أكثر من نور الشمس  . وجميع سكان المدينة  أندفعوا نحو المزار ، يغمرهم خوف ممزوج بفرح من أجل الرؤية السماوية .
 
وتفقوا إلي الداخل صغارا وكبار ، رجالا ونساء من جميع الأعمار ..... ليس المسيحون فقط بل أيضا الوثنيون من أماكن أخري المقيمون في أورشليم  ، وجميعهم رفعوا بفم واحد تسبحة الشكر لربنا يسوع المسيح  " ( كواستن :- نفس المرجع السابق ، صفحة 478 – 479 ) . 
 
ويذكر القمص تادرس يعقوب ملطي بعض العظات المتفرقة  ، نذكر منها :- 
1-عظة علي مفلوج بركة بيت صيدا ( يو 5 : 5 ) . 
2-مقتطفات متفرقة من بعض العظات علي معجزة  تحويل الماء إلي خمر . 
 
أخيرا :- بعض التعاليم الروحية من كتاباته :- 
المعمودية :- 
لا يمكن تقبل غسل الميلاد الثاني مرتين أو ثلاثة ، وإلا لجاز لنا أن نقول : إن ما أسأت تقبله مرة سأعيد تقبله مرة لا يمكنك استعادته ، لأن الرب واحد ، والإيمان واحد ، والمعمودية واحدة ،  ( كيرلس سليم بسترس :- صفحة 598  ) كما قال أيضا " الاستنارة  تبدأ بالتدريج  بتقبل الإنسان التعليم السليم ، ولا لا تتحقق الاستنارة إلا في سر العماد  " ( القمص تادرس يعقوب ملطي :- صفحة 22 ) . 
 
التثبيت ( الميرون ) :- 
" وكما ان خبز الإفخارستيا يتحول ، بعد استدعاء الروح القدس إلي جسد المسيح ، كذلك يتحول الزيت إلي زيت مقدس ، زيت غير عادي ، زيت  نعمة الله  ، وقد أصبح بحضور الروح القدس ،مانحا لاهوته . بهذا الدهن مسحت رمزيا علي جبينك وسائر حواسك . وفي الوقت  الذي يمسح فيه جسدك بالدهن المنظور تقدس نفسك بالروح القدس " ( كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي ، صفحة 599 ) .
 
التوبة والاعتراف :- 
" الوقت الحاضر  هو وقت الإعتراف  . إعترف بما  ارتكبت من خطيئة بالقول أو بالعمل في الليل أو في النهار . إعترف في الوقت المقبول هذا ، وفي يوم الخلاص تنال الكنز السماوي . طهر إناءك ليتسع لنعمة أوفر . فمغفرة الخطايا تعطي للجميع بالتساوي . وأما شركة الروح القدس فتمنح بحسب كفاءة  كل واحد بإيمانه . إن كان لك شيء علي أحد فأغفر له ( مرقس 11 : 25 ) وبعد ذلك تقدم لتنال مغفرة خطاياك . فمن الضروري أن تغفر أنت أيضا لمن يخطيء إليك " . 
 
الإفخارستيا :- 
بما إن يسوع صرح بذلك وقال عن الخبز " هذا هو جسدي ( متي 26 : 26 )  ، فمن يتجاسر ويشك بعد ذلك ؟ وعندما هو ذاته يؤكد بكلام قاطع " هذا هو دمي " فمن الذي يعارض ويقول أنه ليس دمه ؟ ( كيرلس سليم بسترس :- صفحة 599 ) . 
ويقول أيضا " ثم بعد أن تكون قد تقدسنا بهذه الأناشيد الروحية ، نتوسل إلي الله المحب للبشر  أن يرسل روحه القدوس علي هذه القرابين الموضوعة لكي يجعل الخبز والخمر دم المسيح ، لأن كل ما يمسه الروح القدس يتقدس ويتحول ( كيرلس سليم بسترس :- صفحة 601 ) . 
 
بعض مراجع ومصادر المقالة :- 
1-السنكسار القبطي تحت يوم 22 برمهات . 
2-القمص تادرس  يعقوب ملطي :- القديس كيرلس الأورشليمي حياته  ، مقالته لطالبي العماد ، الأسرار ، كنيسة الشهيد االعظيم مارجرجس  سبورتنج ، الطبعة الثانية ، 2006 . 
3-جوهانس كواستن :- علم الآبائيات "باترولوجي " ، المجلد الثالث ، العصر  الذهبي للأدب الآبائي المدون باللغة اليونانية  ، مركز باناريون للتراث الآبائي ، الطبعة الأولي ، 2020 ، الصفحات من 471-  493 .
4-كيرلس سليم بسترس وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛  منشورات المكتبة البوليسية  ، الطبعة الأولي ، 2001 ، الصفحات من 593- 601 . 
5-القمص أثناسيوس فهمي جورج :- القديس كيرلس الأورشليمي : سيرة – تعاليم – أقوال  ، مكتبة الكتب المسيحية .