لا شك أن تنظيم داعش كمجموعة مركزية صلبة انتهى، لكن العديد من المحللين والمسؤولين الأمنيين يعتقدون أن التنظيم الذي هزم في معاقله الأساسية بالشرق الأوسط، حقق تقدمًا كبيرًا في إفريقيا وأجزاء من جنوب آسيا، حيث سيطر على أراض وموارد يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لحملة جديدة من العنف
ولعل هذا ما دفع عددا من الحكومات الأوروبية إلى رفع مستويات التأهب الأمني لاسيما بعد الهجوم على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو الأسبوع الماضي، الذي تبناه داعش وأسفر عن مقتل 140 شخصا.
ففي غضون 48 ساعة الماضية، زادت فرنسا عمليات المراقبة ورفعت التحذير من المخاطر إلى أعلى مستوى.
كما أمرت إيطاليا أيضًا بتعزيز الإجراءات الأمنية. وفي ألمانيا، وصف المسؤولون "الخطر الأمني بالمرتفع".
عمليات جديدة
لا سيما أن العديد من المسؤولين أكدوا أن التنظيم يخطط لعمليات جديدة ضد أهداف أوروبية منذ عدة سنوات.
وفي السياق، أوضح مسؤولون أمنيون غربيون على دراية وثيقة بعمل داعش في العراق وسوريا أن التنظيم تخلى عن مشروعه لإعادة بناء ما يسمى بالخلافة، لكنه لا يزال يرى أن تنفيذ ضربات ناجحة على أهداف دولية "مفيدة له ولمعنويات أنصاره".
كما يرى محللون في معهد واشنطن، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة أن داعش قد يعيد ترتيب أولويات عملياته الخارجية عبر الأفرع".
تواصل الأفرع
إلى ذلك، يولي بعض المسؤولين الأمنيين الغربيين أهمية للاتصالات الجارية بين أفرع داعش المختلفة، من أجل معرفة مدى الروابط بين الفروع والقيادة المركزية، وفق ما نقلت صحيفة "الغارديان".
لا سيما أن الأدلة الواردة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث توسع تنظيم داعش بسرعة في السنوات الأخيرة، تشي بأن القيادة المركزية على اتصال وثيق مع الجماعات والأفرع التابعة لها وتدير شبكات اتصالات متطورة فيما بينها.
ويُعتقد أن حبيب يوسف، زعيم ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش (ISWAP)، بات عضوا الآن في مجلس القيادة المركزية للتنظيم، ما يدل على نجاحات الأفرع الداعشية على ما يبدو.
وفي السياق، أشار فنسنت فوشيه، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أن "هناك شهادات لقادة التنظيم في غرب إفريقيا يؤكدون فيها أن هناك طلبات تردهم للحصول على المشورة بشأن شن هجمات أكبر، وتقديم المقترحات والمعلومات الاستخبارية، وأن هناك الكثير من النصائح الفنية والفقهية التي يتم إرسالها".
كما أضاف أنه "في بعض الأحيان يأتي شيشانيون وغيرهم إلى إفريقيا لتقديم المشورة والتدريس والتشاور، ولكن يبدو أن الجزء الأكبر من المحادثات يتم أونلاين عبر الإنترنت".
بدوره، أكد كاليب فايس، محرر مجلة Long War Journal، أن تنظيم داعش بنى نظام اتصالات فعال عبر مراكز تقع في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأردف أن "فرع داعش في موزمبيق، الذي عاد إلى الظهور الآن بعد تكبده خسائر كبيرة في الهجوم الذي قادته الحكومة ورواندا على سبيل المثال، على اتصال بالقيادة المركزية عبر مقاتلي التنظيم في أماكن أخرى من القارة السمراء".
كما أوضح أنه "يتم تنسيق كل شيء من خلال المكاتب الإقليمية، لذا فإن موزمبيق مرتبطة بقوة من خلال بونتلاند... وهكذا يتلقون التدريب والتمويل والدعم اللوجستي".
ووفقاً للاستخبارات التي قدمتها الوكالات الغربية وغيرها إلى الأمم المتحدة، فإن أنظمة مماثلة تربط داعش في ولاية خراسان بالقيادة المركزية.
ووجد تقرير حديث للأمم المتحدة أن اتصالات واسعة النطاق نشطت في السنوات الأخيرة بين التنظيم في ولاية خراسان والقيادة المركزية لداعش.
كما كشف أنه في بعض الأحيان، يسافر بعض السعاة لجلب الأموال أو التعليمات إلى القادة الرئيسيين في وسط وجنوب آسيا.
إلى ذلك، يتم التواصل أيضا بين الأفرع والقيادة عبر وسائل التواصل. فقد أكد مسؤولون أمنيون غربيون أنه يتم استخدام مجموعة متنوعة من منصات الوسائط الاجتماعية المشفرة لإرسال الرسائل.
ولعل التحذيرات الأميركية التي أرسلت لروسيا قبيل وقوع الهجوم الداعشي على مسرح كروكوس، أتت من اعتراض إحدى تلك الرسائل بحسب ترجيحات بعض المراقبين.