الأقباط متحدون - شىء من مذاق الدستور المسلوق
أخر تحديث ١٣:٣٦ | الاربعاء ٥ ديسمبر ٢٠١٢ | ٢٦ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٦٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

شىء من مذاق الدستور "المسلوق"

بقلم: منير بشاى
كان الاعلان الدستورى الذى اصدره الرئيس مرسى فى 22 نوفمبر 2012 قد أعطى الجمعية التأسيسية مدة شهرين للانتهاء من كتابة الدستور.  ولكن بعد قيام المظاهرات المعترضة علي هذا الاعلان، وخشية صدور حكم يقضى بعدم شرعية الجمعية التأسيسية لعدم تمثيلها لجميع أطياف المجتمع خاصة بعد انسحاب ممثلوا الكنائس وأنصار الدولة المدنية، قرر الرئيس استباق الحوادث والانتهاء من "سلق" الدستور خلال ساعات.  فاجتمع ما تبقى من الجمعية التأسيسية وخلال ما تبقى من النهار والليل أقروا مسودة الدستور وقدموها للرئيس للتصديق ثم عرضها للاستفتاء الشعبى فى 15 ديسمبر 2012.  وامعانا فى الحرص على تحصين الجمعية التأسيسية حاصر رجال الأخوان مبنى المحكمة الدستورية فى 2 ديسمبر 2012 ومنعوا القضاة من الدخول للحكم فى قضية شرعية الجمعية التأسيسية.  يحدث هذا فى ضوء غياب كلى للأمن أو ربما تواطؤه، وتم تهديد القضاة بالقتل وحرق مبنى الدستورية مما اضطر القضاة الى وقف وتعليق العمل كل القضايا. 
 
الدستور الجديد كما يتضح من مسودته الأخيرة ملىء بالمتناقضات والثغرات والعوار ويكرس للدولة الدينية المتطرفة ويحتاج الى تغيير شامل.  والمساحة المتاحة تسمح فقط بتقديم مجرد عينات تعطى للقارىء مزاقا لما سيكون عليه طعم هذا الدستور "المسلوق" وهذه بعض الأمثلة:
مادة 2: تقرر ان مبادىء الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.  وهى مادة كان يريد الأقباط والمنادين بالدولة المدنية حذفها.  وفى المقابل كان الاسلاميون يريدون تغيير كلمة المبادىء بكلمة أحكام.  وعلى ذلك قبل الجميع تركها على ما هى عليه.  ولكن فوجئنا بان التيار الاسلامى يلتف حول هذه المادة باضافة مادة 219 التى تعطي الاسلاميون ما كانو يطلبون وأكثر.
 
مادة 4: تحتم أخذ رأى الازهر (وطبعا تنفيذ الرأى) فى الشئون المتعلقة بالشريعىة الاسلامية وبذلك تصبح للازهر اليد الطولى فوق السلطة التشريعية.  كما هى لا تحدد كيفية أو معايير تعيين شيخ الازهر معطية الحكومة امكانية وضع رجل يتفق مع ميولهم الدينية لتنفيذ مخططاتهم.
مادة 6: تقول ان النظام السياسى يقوم على مبادىء الديمقراطية "والشورى".  والشورى تعبير اسلامى غير واضح ويختلف عن الديمقراطية.  فبينما الديمقراطية تعنى خضوع الحاكم لارادة الشعب فالشورى من اسمها هى مجرد استشارة الحاكم لممثلى الشعب دون ضمان لأخذه برأيهم. 
مادة 11: تنص على ان الدولة ترعى الأخلاق والأداب فتفتح الباب لتدخل منظمات مثل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى تصرفات الناس اذا اعتقدوا انها منافية للشريعة.
 
مادة 12: تنص على ان الدولة تعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف.  وهى مادة يمكن ان تفسر على أنها حظر التعامل باللغات الأجنبية فى تدريس العلوم.  هذا مع ان أساس الكثير من العلوم هو اصطلاحات باللغات الأجنبية مثل اللغة اللاتينية.  ومعرفة الطالب المصرى بترجمة عربية فقط يحجب عنه فهم ما كتب عن الموضوع فى مصادرها الأصلية الأجنبية.  وأيضا يضعف من امكانية الطالب المصرى استكمال تعليمه فى الجامعات الأجنبية.
مادة 43: تنص على ان "الدولة تكفل اقامة دور العبادة للاديان السماوية وذلك على النحو الذى ينظمه القانون". فحرية بناء العبادة هنا مقصورة على ما يسمى "الأديان السماوية" فكيف يكون التعامل مع الديانة البهائية الهندوسية أو السيخ مثلا؟  وماذا يكون الوضع لو اعتبرت المسيحية ديانة غير سماوية كما يردد بعض المتشددين الذين يقولون ان المسيحية الحالية محرفة.  ثم ان ربط هذه الحرية بالقانون يعيدنا الى سيطرة قوانين الخط الهمايونى والشروط العشرة. 
مادة 44: "تحظرالاساءة او التعريض بالرسل والانبياء كافة" هذه المادة لا لزوم لها لأن الأنبياء والرسل لهم اله يحميهم. كما انها ستفتح الباب للمغالاة فى عقاب من ينطق برأى ولو برىء.
 
مادة 48: تتناول حرية الصحافة وتقول انها مكفولة.  ولكن تحدد ذلك بالقول "فى اطار المبادىء الأساسية للدولة والمجتمع" ومن الطبيعى ان يكون هناك خلاف فى تفسير هذا بين شخص وآخر.
مادة 49: تقول ان القانون ينظم انشاء محطات البث الاذاعى والتلفزيونى ووسائط الاعلام الرقمى. وهذا معناه احتمال تدخل الدولة فى شئون محطات الراديو والفضائيات وشبكات الانترنت.
 
مادة 56: تتكلم عن رعاية الدولة لمصالح المصريين المقيمين فى الخارج وتنص على ان "تعينهم الدولة على أداء واجباتهم نحو الدولة والمجتمع المصرى" ما هى هذه الواجبات؟ وهل هو محاولة فرض سلطة الحكومة المصرية على حياة المهاجرين؟
مادة 70: تقول "ان لكل طفل فور ولادته الحق فى اسم مناسب" هل الأسماء المسيحية فلوباتير او منقريوس او دبورة مناسب؟ ونفس المادة تقول "يحظر تشغيل الطفل فى أعمال لا تناسب عمره" معنى هذا امكانية تشغيله فى أعمال تناسب عمره وهذا ضد مبدأ تحريم تشغيل الطفل على الاطلاق.
مادة 147: تنص على ان الرئيس له سلطة مطلقة دون الرجوع للبرلمان فى تعيين وعزل الموظفين المدنيين والعسكريين.
 
مادة 150: تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى "دعوة الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا وان نتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة فى جميع الأحوال".  هذه مادة خطيرة لأنها تعطى رئيس الجمهورية الحق فى تخطى رأى الخبراء فى البرلمان ليضع الأمر كله تحت تصرف العامة فى بلد تبلغ نسبة الأمية 40% والذين يسهل التأثير عليهم بوسائل كثيرة.
مادة 208: تخرج مهمة الاشراف على الانتخابات من القضاء المستقل الى هيئة خاصة تكونها الحكومة اسمها "المفوضية الوطنية للانتخابات" واعطاء هذه الهيئة جواز الاشراف على انتخابات النقابات وغيرها.  معطية الحكومة سلطة التدخل فى جميع الانتخابات.
 
مادة 219: تحدد "ان مبادئ الشريعة الاسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة".  وهى تعتبر التفاف حول المادة الثانية واقحام متاهات الشريعة الاسلامية فى الدستور بكل تناقضاتها وأحكامها التى قد لا تتمشى مع العصر.  وهى خروج على تعريف المحكمة الدستورية ان "مبادئ الشريعة الاسلامية هى الاحكام القطعية الدلالة والقطعية الثبوت".  هذه المادة تتصادم مع الشيعة وتسلب غير المسلميين حقوقهم وهى السبب الرئيسى فى انسحاب ممثلوا الكنائس من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.
مادة 220 و 221: تبيح للدولة نقل العاصمة الى بلد آخر كذا تغيير علمها ونشيدها الوطنى.  ترى هل هذا له صلة بمشروع الاخوان لاعادة اقامة الخلافة الاسلامية؟
 
مادة 234: تلغى جميع الاعلانات الدستورية الصادرة منذ تنحى الرئيس السابق وحتى تاريخ العمل بالدستور الجديد.  ولكنها تنص على بقاء كل الآثار المترتبة عليها التى تؤكد انه "لا يجوز الطعن عليها بأى وجه من الوجوه" وبهذا فكل ما ترتب على الاعلان الدستورى الأخير والذى تسبب فى ثورة عارمة ومنها هذا الدستور المعيب سوف يظل محصنا ولا يجوز الطعن عليه.
 
هذه مجرد لمحات لدستور الاخوان الجديد الذى من الواضح انه معيب فى نصوصه وركيك فى اسلوبه.  وهو على عكس معظم دساتير العالم التى تحتوى عادة مجرد شعارات عامة، تحدد فلسفة النظام وتوجهاته، فهو يتدخل فى تفاصيل مملة ليس مكانها الدستور وكان يجب ان تترك للقانون.  هذا بينما يتردد فى عشرات من نصوص مواده عبارة "طبقا لما ينظمه القانون".  وهذا يترك القارىء فى حيرة عن لمن المرجعية، هل هى للدستور أم للقانون؟
ولكن مشكلة هذا الدستور ليس فقط فيىما تضمنه من نصوص ولكن فيما تعمد اغفاله.  فدستور يشغل 49 صفحة ويشتمل على 234 مادة ليس به مادة واحدة تساوى بين المرأة والرجل، والسبب ببساطة ان هذه المساواة تصطدم مع أحكام الشريعة الاسلامية.
 
وأتصور ان هذا الدستور، ان تم اقراره، سيكون عاملا على انقسام الأمة وسوف يتسبب فى ردة حضارية ترجعنا الى القرن السابع الميلادى بدلا من دفعنا للحاق بالقرن الواحد والعشرين.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع