هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
مع حلول شهر رمضان يحاول بعض الشيوخ فرض آرائهم المتشددة لحاجة في نفس يعقوب حيث يزعم أحدهم أن المجاهرةُ بالفطرِ نهار رمضان دون مُسوِّغٍ يقبلُه الشرعُ جريمةٌ تستوجب العقوبة بيد القانون.. وحجته في ذلك صيانةً المجتمع وحفظاً له بعيداً عن فكرة شيوع الفواحش فيه بحسب مزاعمه.
في تقديري هذه الاّراء والفتاوى المتشددة تضر بالمجتمع ومخالفة للدستور والقانون.
حيث إنه لا توجد عقوبة في القانون المصري '> القانون المصري تجرّم المجاهرةُ بالفطرِ نهار رمضان ، فيكف يدعي هؤلاء علي خلاف الحقيقة أنها جريمة تستوجب العقاب ، يريد البعض بمثل هذه الفتاوي أن يجعلوا من أنفسهم أولياء وأوصياء علي الناس وهذا مرفوض جملةً وتفصيلاً، ونؤكد أن المجاهرةُ بالفطرِ في شهر رمضان ليس مجرما بالقانون المصري ، والمصريون بيصوموا منذ اكثر من الف عام ولا توجد مشاكل، فلماذا التحريض إذن على عقاب غير الصائم ، فالصيام علاقة خفية بين الإنسان وربه ، فالعبادات في غالبها ممارسة بارزة وظاهرة، أما الصوم فهو سر بين العبد وربه لا يعلمه ولا يراه إلا هو ، وقال القرطبي أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله ، والعذر في الصيام إنما هو أمر بين العبد وربه ولا يعلمه الناس كافة ، فلماذا يحاول البعض تنصيب أنفسهم أوصياء علي البشر للتحكم في ظروفهم وحياتهم والإطلاع علي أسرارهم لمعرفة هذا المسوغ مقبول من وجهة نظرهم ام لا ، وهذا يجعل الكثيرين يتدخلوا في شؤون الآخرين وربما تحدث خلافات وصراعات بينهم نحن في غني عنها ، فكم من مرضي بأمراض السكر وأمراض مزمنة كثيرة ممنوعين من الصيام، وكثير من النساء لا يصوموا لأسباب صحية أو دينية ويصوموا على فترات متقطعة ، وكذلك الأطفال ومن هم على سفر ، ناهيك عن وجود ديانات أخري ، واللادينيين لا يصوموا شهر رمضان.
فإفطار هؤلاء لا يجب أن يكون محل نقاش أو حساسية من قبل البعض بدعوي جرح مشاعر الصائمين، فالصيام يكون لله لا للناس.
إن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة القوانين.
ولا يجوز أن تفرض عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه فيعقاب لمجرد أنه تناول الطعام في نهار رمضان ، بالتالي تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل شخص حدا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها.
جدير بالذكر إن النصوص العقابية، تصاغ في حدود ضيقة جرمها المشرع، وحدد ماهيتها، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين.
إن الأصل العام كوّن التجريم والعقاب بيد السلطة التشريعية ، حيث إن الدستور المصري الحالي ينص في المادة 95 علىّ "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون."
إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم فآلا يؤثم أحد أفعالا ينتقيها ، ولا يقرر عقوبتها وفق اختياره إشباعا لنزوة أو انفلاتاً عن الحق والعدل، ومن ثم يكون التأثيم، عائداً إلى المشرع الذي اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنيانا لإقراره توكيده ، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد من محتواه ، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها ولا تفسرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها . ولا مد نطاق التجريم ، وبطريق القياس ، إلى أفعال لم يؤثمها المشرع.
بالتأكيد نقدر المشاعر الدينية للجميع ونحترم معتقداتهم والشعب المصري يحتفل في كل أعياده ومناسباته الدينية والوطنية المختلفة معنا بمنتهي المحبة والاحترام والتقدير والمودة ، ويشهد الجميع علي بذلك ، لكن يطلق بعض المتشددين فتاوي مخالفة للدستور ظناً منهم أنهم قادرين علي التفرقة والفرز والتمييز بين المصريين، هم واهمين ويجب التصدي لهم بكل حزم وفقاً للقانون، والمصريون بشكل عام معتدلون يرفضوا الغلو والتشدد في الفكر، وان فتح المطاعم والبيع والأكل في نهار رمضان ليس فيه ثمة أيّ مخالفة للقانون. وكل عام والمصريين طيبين وبخير ، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.