أحمد الخميسي
صرح الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة 8 مارس ٢٠٢٤ بقوله إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بحلول بداية شهر رمضان: " يبدو صعبا". وهكذا يتبادل بايدن في واشنطن، ونتانياهو في تل أبيب، الأدوار والتصريحات في لعبة واحدة عملا بالمثل الشعبي: " شد وارخي"، للوصول إلى إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.
وكما تعمد الأمريكان من قبل شنق صدام حسين فجر يوم عيد الأضحى عام 2006 لينقلوا إلى الشعوب العربية رسالة استهانة بالمعتقدات الدينية، فإنهم يسعون إلى مواصلة حرب الابادة على غزة خلال شهر رمضان، ليؤكدوا لنا أن كل ما هو مقدس عندنا لا يساوي شيئا لديهم. وقد يتم الاعلان فجأة عن هدنة أو لا يتم ، قد تتوقف قليلا نار المدافع أو تستمر، في الحالتين لن تتوقف الذاكرة عن تسجيل ما يجري، وعن صيانة كل الوقائع ليوم قادم، الذاكرة التي لن تغفر شيئا ولن تنسى أحدا، إبادة شعب بأطفاله ونسائه على مرأى من العالم، قتل النساء والأطفال الذين يهرولون تحت القصف من موت إلى موت ومن جوع إلى عطش، قصف من وقفوا أمام شاحنة في انتظار الطعام.
أين ستذهب هذه الصور والذكريات؟ الذاكرة ستصون وتحفظ كل هذا، كما مازال المصريون يحتفظون بصور مذبحة دنشواى ، وأطفال مدرسة بحر البقر، ستحتفظ الذاكرة بكل شيء في انتظار اللحظة المواتية، ستصون ذكريات الانتصارات التي حققتها المقاومة من المسافة صفر، والانتصار الذي تحقق بتعرية اسرائيل عالميا حتى راح الضمير الانساني يصرخ في كل مكان في مظاهرات واحتجاجات وخطابات.
ومن هذه الزاوية اعتبر البعض أن التاريخ هو بمعنى ما قضية نفسية، وأن الإدراك الاجتماعي اندماج عوامل معرفية وانفعالية في حالة تصونها الذاكرة، ومن هنا نشأ علم النفس الاجتماعي الذي يتقاطع عنده علم النفس وعلم الاجتماع، وهو العلم الذي يدرس الحالات النفسية الجماهيرية وعناصرها في محاولة للتعرف إلي طبيعة الوحدة النفسية التي تربط الفرد بالآخرين في فئة أو طبقة. وهناك دراسات أولت عنايتها للتفاؤل في لحظات تاريخية معينة، وللحركات والمظاهرات والتحولات الجماهيرية التي تحدد الطبيعة العامة النفسية للفئات الاجتماعية.
ويدخل في نطاق هذا العلم أيضا قضايا من نوع " نفسية الأمم " معتبرا أن لكل أمة طبيعة نفسية تتجلى في ثقافتها. والعملية النفسية الاجتماعية وثيقة الصلة بالثقافة والإدراك والذاكرة. وقد تكونت على مدي شهور العدوان الاجرامي على غزة حالة نفسية تقوم على إدراك حقيقة وطبيعة الكيان الإسرائيلي بصفته مجرد قاعدة عسكرية استعمارية أطلقوا عليها صفة دولة واخترعوا لها شعبا.
وربما يتم التوصل إلى هدنة فتتوقف المدافع أياما ، وتتوقف الدبابات عن سحق النساء، لكن الذاكرة لن تتوقف لحظة، أنها خارج عملية المفاوضات، والدبلوماسية، انها تسجل كل شيء، وتحتفظ به، حتى تحل اللحظة المواتية.