قال الأنبا مكاريوس، أسقف إيبارشية المنيا وتوابعها للأقباط الأرثوذكس، إنه لا توجد فروض فى المسيحية'> المسيحية وإنما التزام من الشخص لنفعه وخلاص نفسه، مشيراً إلى أن الصوم فى مواعيد محددة هو تعليم كتابى وأن المسيحية'> المسيحية عرفت الصيام منذ أن حذر الله آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر.
وأضاف أسقف المنيا، فى حوار لـ«الوطن»، أنه لا توجد أصوام شعبية داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لأن جميع الأصوام هى تدبيرية معتمدة على الكتاب المقدس والتقليد الكنسى، لافتاً فى ذات الوقت إلى أن «الصوم الكبير» يعتبره الأقباط ربيع العام الروحى والخزين السنوى.. وإلى نص الحوار:
- أولاً: لا توجد فروض فى المسيحية'> المسيحية بالمعنى المعروف، وإنما حب والتزام من الشخص لنفعه وخلاص نفسه، فجميع الوصايا هى لصالح الإنسان نفسه. وقد عُرف الصوم فى المسيحية'> المسيحية منذ أن حذر الله آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، فلما خالف طُرد من الفردوس، ولذلك فإن أول ما فعله السيد المسيح مع بدء كرازته أنه صام لمدة أربعين يوماً (متى 4: 2)، وقد أوصى تلاميذه بأن يصوموا بعد أن يصعد إلى السماء «حينما يُرفع العريس حينئذ يصومون» (متى 9: 15).
إن الصوم فى مواعيد محددة هو أيضاً تعليم كتابى، فقد كان اليهود يصومون يومين فى الأسبوع، وكذلك يوم الكفارة، كما حدّد الرب «صوم الشهر الرابع وصوم الشهر الخامس وصوم السابع وصوم العاشر» (زكريا 8: 19). وقد أشار المسيح إلى الصوم كمنهج مستمر حين قال «متى صمتَ فاغسل وجهك وادهن رأسك» (متى 6: 17)، ولو كان الصوم نادراً لما احتاج إلى ضوابط، وقد قرنه السيد المسيح بالصلاة والصدقة، وجميعها ممارسات مستمرة. ولما سألوه «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسين وأمّا تلاميذك فلا يصومون؟» (مرقس 2: 18) كانوا يقصدون: ما هو القانون الذى تضعه للصوم؟ وهذا يعنى أنه كانت هناك أصوام محدّدة. وقد بدأت الكنيسة بممارسة الصوم منذ فجر المسيحية'> المسيحية، ويشهد بذلك قوانين الآباء الرسل وأقوال الآباء والمجامع المسكونية والمكانية.
هكذا بدأت الكنيسة القبطية -وهى لم تحد عن الطريق منذ البداية- أصوامها، مع تعديل خفيف فى القرون الأولى، وهذا ثابت فى كتابات آباء الكنيسة القبطية، وبينما طرأ تغيير فى بعض الكنائس فى عدد الأصوام ومدتها ورفضته جماعات أخرى، التزمت الكنيسة القبطية بما تسلمته.
هل هناك أصوام شعبية وأصوام قانونية؟
- ليس هناك ما يُسمى بالأصوام الشعبية والأصوام القانونية، فجميع الأصوام هى تدبيرية معتمدة على الكتاب المقدس والتقليد، ولكن جميع الأصوام مرتبطة بالتقوى الشعبية، فالصوم الكبير يعتبره الشعب ربيع العام الروحى والخزين السنوى، وينتشر عبق نسكى فى الكنيسة كلها، وهو أهم الأصوام كلها، فهو أطولها وينتهى بأهم الأحداث الخلاصية، ويُكلَّل بالقيامة المقدسة، ثم صوم نينوى وهو بطقس الصوم الكبير ويأتى وكأنه توطئة وتمهيد للصوم الكبير، ويتدفق الشعب بقوة على الكنائس خلال تلك الأيام الثلاثة وكأنه احتفال جماعى للتوبة. وصوم الميلاد تتخلّله سهرات كيهك، حيث يسهر الشعب حتى الصباح متذكرين ماضى البشرية المظلم، منتظرين إشراقة النور وفرح البشرية التى طال حزنها، وفى صوم السيدة العذراء يصومون بنسك أكثر وبعدد أيام أكثر، وهو الصوم الذى صامه الآباء الرسل ليروا جسد السيدة العذراء صاعداً. وصوم الآباء الرسل وهو صوم من أجل الخدمة، وهو بتصريح من الرب نفسه، وأصوام أخرى مثل الأربعاء والجمعة أسبوعياً حتى لا ننسى التآمر على المسيح وصلبه، وصوم البرمون قبل عيدى الميلاد والغطاس.
يقول البعض إن السيد المسيح لم يحتّم الصوم، بل تركه للظروف بقوله «متى صمتم»، فلماذا الصوم فى أوقات ثابتة سنوياً؟
- يأتى التعبير «متى» بمعنى «كلما» جاء موعد الصوم، مثل قولنا: متى استيقظت من النوم أو متى جلست للأكل، فإن هذا لا يعنى أن الشخص يأكل كل عدة أشهر أو ينام مرات معدوة فى السنة، وقال ذلك أيضاً عن الصلاة، فهل لم تكن هناك مواعيد للصلاة؟ لقد قال داود النبى «سبع مرات فى اليوم سبّحتك على أحكام عدلك»، وقال: «سبقت عيناى وقت السحر لأتلو فى جميع أقوالك»، وورد عن الآباء الرسل أنهم وُجدوا فى الهيكل يصلون وقت الساعة التاسعة (أعمال 3: 1)
وهل الأفضل أن يُترك أمر الصوم للشخص، أم تكون هناك ضوابط؟
- لقد رتبت الكنيسة الصلوات، وهكذا الأصوام التى بلغت السبعة بما يصل إلى ثُلثى العام، يصومها الشعب عن طيب خاطر. بل يُضاف إلى ذلك الأصوام التى تقرّرها الكنيسة فى بعض الظروف، وهذا أمر معروف بين جميع الجماعات المسيحية'> المسيحية، ومثلها فى التدبير الخاص الذى يسمح بالأصوام فى أى وقت.
وقد جاء عن حنّة النبية أنها «لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات» (لوقا 2: 37). وفى عرضه للجهادات الكثيرة قال القديس بولس: «فى تعب وكد، فى أسهار مراراً كثيرة، فى جوع وعطش، فى أصوام مراراً كثيرة» ( كورنثوس (2) 11: 27).
هل حدد المسيح أو الكتاب المقدس للمسيحيين عندما يصومون أنواعاً معينة من الطعام فى الصوم؟
- الصوم فى الأساس هو انقطاع عن الطعام والشراب لمدة محددة (تتحدد حسب المرحلة العمرية، والحالة الصحية، والقامة الروحية للشخص)، ثم يتناول الصائم طعاماً نباتياً. أول إشارة إلى الطعام النباتى جاءت فى سفر التكوين «إِنِّى قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْراً عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْراً لَكُمْ يَكُونُ طَعَاماً» (تكوين 1: 29)، وكذلك «... وتأكل عشب الأرض» (تكوين 3: 18)، ولم يُسمَح بأكل اللحم إلّا بعد الطوفان (تكوين 9: 3). وفى البرية أعطى الله لبنى إسرائيل «المَنَّ» طعاماً، فلمّا تذمّروا أعطاهم السلوى، وقد أمر الرب حزقيال النبى أن يأكل أكلاً نباتياً لمدة طويلة «خذ لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وكرسنه وضعها فى وعاء واحد واصنعها لنفسك خبزاً لمدة ثلاثة مائة يوم وتسعين يوماً تأكله» (حزقيال 4: 9)، ويقول داود النبى: «رُكْبَتَاىَ ارْتَعَشَتَا مِنَ الصَّوْمِ، وَلَحْمِى هُزِلَ عَنْ سِمَنٍ» (مزمور 109: 24)، ونعرف أن الفتية الثلاثة امتنعوا عن أطايب الملك واكتفوا بالقطانى أى البقول، ومع ذلك كانوا فى حال صحية أفضل (دانيال 1: 12).
درجات الصوم
أبرز درجات فى الصوم: فصوم الدرجة الأولى هو الصوم الكبير والبرمون والأربعاء والجمعة وصوم نينوى، يكون النسك على أشده، بينما فى الدرجات التالية يُسمح بأكل السمك دون اللحوم ومنتجات الألبان، والكنيسة تربط بين الانقطاع ومنع الدسم. والغرض من الصوم هو التدرُّب على ضبط النفس، والتفرُّغ للعبادة أنه «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (متى 4: 4).