حمدي رزق
ابتسامة الشهيد حار فى تفسيرها المفسرون، وتوفر عليها المحبون، ورضى بها الطيبون، فى المعجم اللغوى، ابتسامة تعنى بشاشة، ضَحِكَة خَفِيفَة بلا صوت، وبَسَمَ، ابتسم، انفَرَجَتْ شفتاه عن ثناياه، ضاحكًا بدون صَوتٍ، وهو أخَفُّ الضَّحِك وأحسنُه.
ليس بعيدًا عن المعنى اللغوى مطالعة صور شهداء الوطن (خلال الندوة التثقيفية الـ39 للقوات المسلحة فى الاحتفال بيوم الشهيد)، تُذهلك الابتسامة، الشهداء يبتسمون، ابتسامة الشهيد مشرقة تنير الوجوه، عذبة ابتسامة الشهيد، تُبلسم القلوب الحزينة.
أعذب الابتسامات وأرَقّها وأجملها ابتسامة الشهيد، تَحَار العقول فى استيعابها، وتدهش من صفائها، غبطة وحبور، يطلبون الشهادة فى فرح وسرور، رائعة تلك الابتسامة، تقول الكثير بالصمت البليغ، بدون كلام، ملؤها ثقة فى النصر، وتسرى روحها (روح الابتسامة) إحساسًا طاغيًا بالفخار.
ما تيسر من سيرة الشهداء تشع من بين سطورها ابتسامة الشهيد، وكأنها ترتسم بدماء الشهداء الطاهرة، تلون حياتنا بالفخار، شرف عظيم لا يناله إلا الموعودون.
وابتسامة الشهيد تحمل كل المعانى والأمانى، ابتسامة الشهيد كلمة طيبة بغير حروف، الابتسامة شعور بالغبطة، والشعور عنوان الإنسانية، والشهيد يضرب مثلًا، أن تضحى من أجل حياة الآخرين، يهبوننا الحياة من حيواتهم.
الشعب الذى يملك مثل هذا الجيش العظيم بهذه الروح الاستشهادية تُكتب له الحياة، أبطال القوات المسلحة يدفعون ضريبة الوطن دمًا، بارك الله فى الجنود، ورحم الله الشهداء منهم، أحياء عند ربهم يُرزقون.
لو تعلمون حجم التضحيات الجسام لخير أجناد الأرض لقبّلتم التراب من تحت خطوهم، على الحدود أسود، يجودون بالنفس قربى إلى الله: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ» (البقرة/ ١٥٤).
تلفتنا الابتسامة عن مطالعة أسماء الشهداء، فجميع الأسماء سواء، يسبقها لقب «مقاتل شهيد»، درجة من درجات المجد والفخار، مقاتل خُلق للذود عن الحِيَاض المقدسة، ومكتوب فى اللوح المحفوظ شهيد، وكل مقاتل «مشروع شهيد»، يتسابقون إلى الشهادة، يطلبونها نصرًا أو شهادة.
الشهداء أحباب الله، نعم، ونعم بالله، ألذى أنعم عليهم بالشهادة، فالشهداء ليسوا أمواتًا، إنما هم أحياء عند ربهم يُرزقون، ويكفى الشهيد منزلة أن ذنوبه تُكفر بأول قطرة من دمه، وأن الشهداء يتمنون لو عادوا إلى الدنيا ليُستشهدوا فى سبيل الله مرة أخرى لما رأوا من عظيم منزلة الشهادة.
لماذا هم مبتسمون دومًا؟!.
سر الابتسامة التى تلون وجوه الشهداء، من الرضا، هؤلاء رضى الله عنهم، والذى ينال الرضا تقر عينه، ويطيب قلبه، وتُنير الابتسامة وجهه، وجوه الشهداء حسنة من النعيم: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» (القيامة: ٢٣/٢٢).
ويجيب صلى الله عليه وسلم عن سؤال ابتسامة الشهيد، فيقول فى الشهداء قولًا بديعًا: «أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك القناديل».
يبتسم الشهيد لأنه يرى مكانه فى الجنة، الشهيد لا يموت، بل ينتقل مباشرة إلى الجنة وما بها من نعيم أبدى لا ينقطع. قال تعالى: «ولا تَحْسَبَنَّ الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يُرزقون فَرِحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألّا خوف عليهم ولاهم يحزنون». (آل عمران ١٦٩- ١٧٠).
نقلا عن المصرى اليوم