أحمد الخميسي
تحتفل بلدان الثقافة العربية بيوم القصة القصيرة سنويا في 14 فبراير. لا أدري إن كان ذلك التقليد قد غزا الدول الأخرى في الخارج أم لا، لكنه يوم يستحق الاهتمام والاحتفاء في كل الأحوال. وبمناسبة الحديث عن القصة كانت القاصة الموهوبة منال قابيل قد سألتني ذات مرة: " ما رأيك؟ هل نكتب الحوار في القصة باللهجة العامية أم باللغة بالفصيحة؟".
ردا على ذلك أقول اننا حين نتحدث عن لغة الحوار فإننا نتكلم ضمنا عن اللغة بشكل عام في الأدب والقصة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن اللغة ليست أدبا، أما الأدب فإنه اللغة. على سبيل المثال فإنك ستجد في خطب مصطفى كامل وسعد زغلول الكثير من البلاغة ، لكن تلك الخطب لا تدخل في نطاق الأدب، لكن في نطاق البلاغة وكذلك كانت خطابات شيشرون السياسية. في الأدب القضية تختلف تماما، لأن الأدب لغة إلى حد كبير.
ومن هنا يكتسب سؤال منال قابيل وأدباء آخرين أهمية قصوى: بأي لغة نكتب الحوار في القصة القصيرة؟ تزداد أهمية السؤال عن لغة الحوار إذا تذكرنا أن عددا كبيرا من القصص قام فقط على الحوار، مثل قصة " جميل فمي، عيناي خضراون" للكاتب الأمريكي ج. د. سالنجر، أو قصة " البنكي الفوضوي" للكاتب فرناندوا بيسوا، والكثير من قصص همنجواي. ولعل رواية نجيب محفوظ " أمام العرش" أن تكون نموذجا لعمل سردي طويل يقوم كله على الحوار.
في كل الأحوال فإن السؤال عن " لغة الحوار" يفتح الباب واسعا على العديد من القضايا، في مقدمتها الفكرة التي يرددها كثيرون من أنه لابد للغة الحوار أن تكون مطابقة لواقع الشخصيات أو قريبة مما يقوله الناس ومن ثم تكون الأولوية هنا للعامية.
ويتضح في تلك النظرة التمسك بالمطابقة بين ما يقوله الناس في الحياة وما تنطق به الشخصيات الأدبية.
وينسى أصحاب فكرة المطابقة بين لغة الفن ولغة الواقع أن الأدب عامة عملية مجازية من رأسها إلى قدميها، والقصة التي أكتبها أنا أو التي يكتبها غيري لا تطابق الواقع في شيء، فهي شكل أدبي مخترع، وشخصيات قد تكون وهمية، وأحداث من خلق الخيال، فإذا كانت العملية الأدبية إجمالا مجازية لا تطابق الواقع فلماذا ينبغي على اللغة فقط أن تطابق الواقع؟ ومما يؤكد ذلك أن الحوار في القصة ليس هو الحوار في الحياة مهما كان، حتى لو كتبته كله بالعامية، لأن الحوار في الحياة قد يكون طويلا، يتنقل من فكرة إلى أخرى، بينما يختصر الحوار الأدبي الكثير ويستخدم ما يلزمه فقط، ليكون موجزا وتعبيرا مكثفا عن الشخصيات.
من ناحية أخرى فإن رسم أو وصف أو خلق الشخصيات لا يعتمد فقط على اللغة التي تتكلم بها، فقد نطقت كل شخصيات نجيب محفوظ الشعبية بالفصحى من دون أن يعطل ذلك استقبالنا لها بصفتها شعبية مئة بالمئة. وقضية بأي لغة نكتب الحوار في الأعمال السردية قضية قديمة ظهرت مع تبلور شكل القصة منذ أن كتب محمود تيمور مجموعته " الشيخ جمعة " 1925 بالعامية ثم عاد وكتبها بالفصيحة مرة أخرى.
وأعتقد أن علينا أن نكتب الحوار في القصة القصيرة بلغة فصيحة بسيطة، تستلهم روح اللهجة العامية وليس نص اللهجة، وقد يفيد هنا أن نتذكر أن اللغة العربية لغة ثقافة عربية ضخمة وحين يعتمد الكاتب عليها فإنه يتوجه بعمله إلى جمهور ضخم أبعد من حدود وطنه.