حمدى رزق

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألّا تلاقيا... واجتمع الرئيسان السيسى وأردوغان، بعدما ظن المراقبون ألّا تلاقيا، مضت 12 عامًا كاملة على آخر زيارة لأردوغان إلى القاهرة، زار القاهرة رئيسًا للوزراء فى عام 2012، أيام حكم الإخوان، وتقطعت بين العاصمتين (أنقرة والقاهرة) الأسباب.

 

زيارة الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» إلى القاهرة خلّفت صدمة عنيفة فى معسكر الإخوان، تتخبط ركبهم خشية، فوق خيالهم المريض أن تُطوى صفحة الخلاف التى عملوا عليها منذ خروجهم من مصر عام 2013، وسمموا الأجواء، وخربوا العلاقات، وأساءوا إلى القيادات، ونشروا الفتنة، الإخوان إذا دخلوا على خط العلاقات خربوها...

 

يقينًا، اسطنبول لم تعد (أرض الميعاد) للإخوان، سيهجرونها حتمًا (طوعًا أو كرهًا) إلى عاصمة المنبوذين (لندن)، وسيعمدون إلى تخريب العلاقات المصرية الإنجليزية، عادتهم ولا هيشتروها، ولكن الدرس التركى قاسٍ، الإخوان صاروا «ورقة كلينكس» تلقى فى سلة القمامة فى أقرب مكب نفايات، ورقة محروقة تخلف هبابًا يسود الوجوه.

 

الدوحة سابقًا لفظتهم، واشترت خاطر القاهرة، وعادت العلاقات المصرية القطرية كسابق عهدها أخوية مثمرة تفاهمات يَشِى بها مستوى العلاقات، والخرطوم أخرجتهم بليل كقُطّاع الطرق ألقت بهم فى عرض الطريق، بعيدًا عن مجرى النيل الذى يربط بين الأشقاء، واسطنبول هاهى تُخلى طرفها من رعايتهم، وتلفظهم، وقبلًا ضيّقت عليهم فى الفضاء الإعلامى والإلكترونى، وبرهنت على الود المتجدد بزيارة الرئيس أردوغان.

 

خلاصته، عادت العلاقات المصرية التركية إلى سيرتها الأولى، إلى سابق عهدها، وقريبًا ستلفظ لندن الإخوان وتلقى بهم فى مكب اللاجئين فى «رواندا».. الإخوان كُتب عليهم الشتات فى الأرض. لعل المراقبين يفهمون، هكذا العلاقات السياسية دومًا، بين متغير متحول وثابت صلب يُبنى عليه مستقبلًا، تُطوى صفحة كئيبة، وتُفتح صفحة جديدة، عنوانها لا ضرر ولا ضرار، يحكمها فقه المصالح.

 

الرئيس التركى، فى كلمة بثها التلفزيون الرسمى، بعد أن ترأس اجتماعًا لمجلس الوزراء، قبل الرحلة القاهرية، قال: «سنناقش مختلف القضايا، منها الاقتصاد والتجارة والسياحة والطاقة والدفاع مع السيد السيسى». قاعدة الشيخ «رشيد رضا»: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه» حاكمة، تحكم العلاقات المصرية التركية، تسير سيرًا حسنًا إلى شراكة مثمرة، تفاهمات فى الملفات العالقة، وتعاون لما فيه صالح الشعبين، واستثمار للفرص الاقتصادية المتاحة فى القاهرة وأنقرة.

 

علمًا، العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتوقف يومًا رغم الجفاء التركى لسنوات مضت، حققت معدلات التجارة البينية بين مصر وتركيا خلال عام 2022 زيادة غير مسبوقة منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، حيث بلغ حجم التبادل التجارى عام 2022 نحو 7.1 مليار دولار. إذا كان الصبر مُرًّا فعاقبته حلوة، الدبلوماسية المصرية الرشيدة تعتنق الصبر على الجفاء السياسى، حبال الصبر المصرية طويلة، وتعول على العقل، وتنحى الطارئ المتغير توكيدًا على الثابت والتاريخى.

 

كتاب التاريخ يقول بحكمة: لا عداء رغم جفاء، والود موصول، وستجرى الأنهار العذبة فى مجاريها، والحمد لله عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، ما بين القاهرة وأنقرة، نهر جارٍ متجدد من المحبة رغم تقلبات السياسة الحادة سلبًا وإيجابًا

 

التفاؤل المصحوب بالحذر مطلوب وبشدة، الطرفان يسلكان الطريق الشاقة نحو علاقات أخوية، استفادة من دروس الماضى القريب، واستشرافًا لعلاقات مستقرة على ثوابت مصرية/ تركية مرعية تُحاط بضمانات الاستمرارية والاستدامة.

نقلا عن المصرى اليوم