سمير مرقص
(1) «التأزم الاقتصادى اليونانى»؛
فى إطار متابعتنا للحركات المواطنية القاعدية، التى انطلقت فى القارة الأوروبية خلال العقد الثانى من القرن الراهن، لفت نظرنا ردة فعل النخبة السياسية اليونانية وتحديدا حركة «سيريزا» لمواجهة الأزمة الاقتصادية/ المالية التى أطبقت على اليونان فى 2014.
وقبل الحديث عن الكيفية التى عالجت بها تلك النخبة الأزمة نشير إلى الأسباب التى أدت إلى تفاقمها وذلك كما يلى: أولا: إنها أزمة داخلية ممتدة منذ ثمانينيات القرن الماضى ودائما ما كانت تواجه بالتسكين والترقيع فاقمتها أزمة 2008 العالمية الأسوأ.
ثانيا: اتخاذ حكومة «كرامنليس» التى حكمت من 2004 إلى 2009 مجموعة من القرارات الخاطئة. ثالثاً: فرضت الرغبة اليونانية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى (تم فى 2001) اتخاذ حزمة قرارات اقتصادية ومالية لا يتحملها هيكل الاقتصاد اليونانى دفع ثمن تداعياتها الكارثية الغالبية من المواطنين، وتمثلت فى الآتى: ركود وانكماش اقتصاديين إضافة إلى أنه بحلول 2012 وصلت البطالة إلى ما يزيد على 25%، والدين العام إلى ما يزيد على 360 مليار يورو، والتضخم لـ 4%،...، إلخ.
ما اضطر اليونان للخضوع إلى وصاية الترويكا: صندوق النقد الدولى والاتحاد الأوروبى والمصرف المركزى الأوروبى؛ ولجنة من الخبراء (حسب كتاب صندوق النقد الدولى: قوة عظمى فى الساحة العالمية ــ عرضنا له فى سلسلة من 5 حلقات عام 2016 فى هذا المكان) فرضتا: تقليص الإنفاق على النظام الصحى، وتسريح أكبر عدد ممكن من العاملين لدى الدولة، وزيادة الضرائب، وزيادة سن التقاعد،...، إلخ.
(2) «المواجهة الجذرية للأزمة»؛
وصلت اليونان إلى ذروة الأزمة فى نهاية 2014، ومع مطلع 2015 وصلت حركة «سيريزا» إلى الحكم وقررت مواجهة الأزمة وحلها جذريا. وقاد هذه المهمة وزير المالية «يانيس فاروفاكيس» (63 عاما)؛ الذى قدم نموذجا مثاليا «للخبير المثقف»، من حيث تمتعه بالمعرفة العلمية، والخبرة المهنية، والممارسة السياسية. كان له تأثيرها فى تعبئة اليونانيين سياسيا لرفض الشروط الأوروبية المجحفة لليونان وشعبه «لتقليصها المكتسبات الاجتماعية» لعموم اليونانيين.
قامت المواجهة فى ضوء إطار فكرى لإدارة «ماليات اليونان» يتكون من العناصر التالية: أولا: الدفاع المستميت عن حقوق/ مصالح الشرائح الوسطى والفقيرة والمهمشة والحفاظ على حقوقهم، وتفعيل مبدأ العدالة للجميع ثانيا: بلورة آليات مرنة للتدخل «الدولتى».
(3) «التعافى المستدام»؛
أخذت اليونان بحزمة من الإصلاحات المتكاملة أطلق عليها «فاروفاكيس» استراتيجية التعافى المستدام، تتمثل فى: تعبئة الأصول المتبقية لدى الدولة وتنشيط تدفق الائتمان المصرفى إلى الأجزاء الموفورة الصحة من القطاع الخاص وإعادة الاستثمار والائتمان إلى مستويات تمكن الاقتصاد اليونانى. ومن ثم رأت حاجة الاقتصاد اليونانى إلى نوعين من المؤسسات العامة الجديدة تعملان جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص والمؤسسات الأوروبية: بنك للتنمية يوظف الأصول العامة التوظيف المثالى.
وبنك للقروض يعمل على تمكين النظام المصرفى من الخروج من تحت أنقاض أصولها المتعثرة واستعادة تدفق الائتمان إلى الشركات المربحة الموجهة للتصدير. ما يطور النظم المالية والضريبية بالإضافة إلى نظام الضمان الاجتماعى بتوحيد صناديق التقاعد، وارتفاع المساهمات فى أعقاب ارتفاع مستويات تشغيل العمالة.
والاستثمار فى استثمارات إنتاجية مختارة مثل: الشركات البادئة، وشركات تكنولوجيا المعلومات بالعقول الوطنية، وشركات الزراعة العضوية الصغيرة والمتوسطة الحجم، والأدوية القابلة للتصدير، والبرامج التعليمية التى تستفيد من الإنتاج الفكرى اليونانى والمواقع التاريخية... ومواجهة الإعاقات التى يضعها أصحاب المصالح الضيقة، والبنوك المتساهلة.
ولا يفوته أن يذكر أنه لا غنى عن الديمقراطية وما تحمله من قيم المحاسبة والشفافية والمساءلة لإنجاح البدائل الذاتية الوطنية المبدعة مقابل الوصفة النمطية المُجحفة... عنيت استراتيجية التعافى المستدام على ألا تقف خططها وسياساتها عند الإجراءات المالية المحضة، إذ تمام التعافى لن يتأتى ما لم يتم تطبيق إصلاحات متشابكةــ فى آن واحدــ لعدة قطاعات مثل: الاستثمار الإنتاجى تحديدا، والائتمان، والمنافسة، والضمان الاجتماعى، والإدارة العامة، والمنظومة القانونية بعناصرها، وسوق العمل، والإبداع والإنتاج الثقافى... وذلك فى إطار عملية ديمقراطية حقيقية يكون فيها المواطن شريكا حاضرا بفاعلية.
(4) «تجربة جديرة بالاهتمام»؛
وتؤكد التقارير الأوروبية عن اليونان الصادرة فى نهاية 2023 «انحسار الأزمة اليونانية وانبعاث النمو بزيادة الصادرات، وتنامى الاستثمارات بنسبة 70%، واكبها فائض فى الموازنة الأولية،...، إلخ»... إن تحسن الاقتصاد اليونانى وتمكنه من التعافى يقدم نموذجا جديرا بالدراسة.
نقلا عن المصرى اليوم