هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
يتابع الأقباط عن كثب مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين فهم يريدون قانون يحافظ على بنيان الأسرة المصرية وترابطها ويحقق مصالح كل الأطراف وخصوصاً المصلحة الفضلي للأطفال. وأن تكون التعديلات متوافقة مع الدستور.
حيث إن المادة الثالثة من الدستور المصري 2014م تنص على أن: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ومن ثم تكون مبادئ الشريعة المسيحية واجبة التطبيق على المصريين المسيحيين، منها المساواة في الميراث وتوزيع الأنصبة الذكر مثل حظ الأنثى، وإقرار التبني، وعدم التوسع في أسباب الطلاق ، وحظر تعدد الزوجات في المسيحية وذلك وفقاً لما تقره مبادئ الشريعة المسيحية بالنسبة المسيحيين فقط.
بادئ ذي بدء يتعين معرفة ما هو المقصود بمسائل الأحوال الشخصية وفق نص المادة (13) من القانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء، المسائل المتعلقة بحالة الشخص وأهليته، ونظام الأسرة من زواج وطلاق وخلافه ، والمسائل المتعلقة بالولاية والقوامة..، فضلاً عن مسائل المواريث ، وجميعها مسائل ترتبط، وبشكل مباشر، بأخص مكونات الهوية الذاتية للفرد، ألا وهو ديانته ، الذي يتشكل بها وجدانه وفق تعاليمه بحيث يخضع كل فرد لأحكام قانونه الشخصي المتسق وتعاليم دينه الخاص به، الأمر الذي أفرز حال من التعدد التشريعي في مسائل الأحوال الشخصية.
والتساؤل الذي يطرح هنا من البعض هل يتعارض مبدأ المساواة في الميراث وإقرار التنبي وحظر تعدد الزوجات بالنسبة للمسيحيين، مع الشريعة الإسلامية أو النظام العام.
نقرر وبحق إنه ليس هناك أيّ تعارض على الإطلاق. حيث إن الشريعة الإسلامية تقرر الاحتكام إلى الإنجيل فيما يتعلق بالمسيحيين وذلك وفقاً لما جاء في سورة المائدة ( ٤٧): "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، هذه الآية محكمة، ويقول الفقيه محمد رشيد رضا صاحب المنار: أن هذه الآية فيها بيان هداية الإنجيل، وأكثرها مواعظ وآداب وترغيب في إقامة الشريعة على الوجه الذي يطابق مراد الشارع وحكمته، لا بحسب ظواهر الألفاظ فقط، فمن لم يحكم بهذه الهداية، ممن خوطبوا بها، فهم الفاسقون بالمعصية، والخروج من محيط تأديب الشريعة.
وبالتالي يجب تطبيق المادة الثالثة من الدستور وهو احتكام المصريين المسيحيين إلى مبادئ شرائعتهم وان تكون المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
وليس هناك أي ثمة تعارض بين أحتكام المسيحيين لشريعتهم وبين المادة الثانية من الدستور.
أن المواطنين سواء أمام القانون، وأنه لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة؛ وذلك لأن حرية الاعتقاد شيء والآثار التي تترتب على هذا الاعتقاد من الناحية القانونية شيء آخر، وكل فرد حر في أن يعتنق ما شاء من الأديان ، وكذلك النتائج التي تترتب على هذا الاعتقاد فقد تكفل الدستور والقوانين بتنظيمها. فالمسلم تطبق عليه أحكام خاصة بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية، والمسيحي تطبق عليه الشريعة المسيحية، وتطبيق قوانين خاصة على كل طائفة من الطوائف تبعًا لما تدين به ليس فيه تمييز بين المواطنين، بل على العكس فيه إقرار بمبدأ حرية الاعتقاد وتنظيم لمسائل الأحوال الشخصية اللصيقة بالشخص في حدود دينه وعقيدته.
كما إن النص الدستوري في المادة الثالثة من الدستور الحالي اتجه إلى تقرير القاعدة القانونية الواردة به إلى تنظيم وضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه التزاماً بمقتضيات المصلحة العامة تغليباً لها على ما قد يكون لبعض الأفراد من مصالح خاصة ضيقة مغايرة – . وأن ما تضمنه الدستور في هذا الشأن يندرج تحت القاعدة القانونية الآمرة المتعلقة بالنظام العام التى لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها ، ولا يجوز تجاهلها بل يكون الحمل على تنفيذها عملاً لازماً باعتبارها شريعة نافذة لا يتحلل أحد منها ويكون لكل ذى مصلحة التمسك بها قبل بعضهم البعض .
وان القواعد القانونية، التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة تتعلق بنظام المجتمع فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة. وهي حق المسيحيين الاحتكام لشريعتهم في أحوالهم الشخصية .
جدير بالذكر أن المشرع المصري كان يفطن إلى المرجعية الدينية للشريعة المسيحية التى تتبوء المكانة المقدسة الأسمي للنظام القانوني الشرعي بالنسبة للمسيحيين وهذا ما تظهره عبارات نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 من أنه «أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية، وتحت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام ــ في نطاق النظام العام ـــ طبقًا لشريعتهم».
فليطمئن المصريون جميعاً فهم من أفضل شعوب العالم تديناً ممارسةً وتطبيقاً، أن احتكام المصريين المسيحيين لشريعتهم في مسائل أحوالهم الشخصية يتفق مع الدستور والقانون .
ومن ثم يتعين على كافة السلطات المعنية إعمال نص الدستور وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض منذ عام 1980م من مبادئ هامة والتى تضمنت أن النصوص الدستورية تتمتع بالإنقاذ الفورى والمباشر، منذ العمل بأحكام الدستور وما يخالفها من نصوص تشريعية تعبير منسوخة ضمنا بقوة القانون دون حاجة لانتظار قضاء دستوري أو تعديل تشريعي، وأوجبت بذلك إهدار مواد القانون التى تتعارض مع النصوص الدستورية سابقة كانت أم لاحقة على صدوره باعتبار الدستور القانون الأسمى والأعلى صاحب الصدارة على المدرج التشريعي.
وبناء عليه فإنني أناشد الطوائف المسيحية الثلاثة والحكومة والبرلمان أن يتضمن مشروع القانون عدم التوسع فى أسباب الطلاق وفقاً لما تقره مبادئ الشريعة المسيحية والمساواة فى الميراث بين الذكر والأنثى المسيحيين، لان العقيدة المسيحية قد رسخت مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة دون أى تفرقة. كما أطالب بإقرار حق التبنى بالنسبة للمسيحيين ، وهذه الأمور لها أساس دستورى وقانونى، وله ما يؤيده فى الكتاب المقدس، ونرى أنه لابد من عرض مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين لحوار مجتمعى قبل إقراره .