محرر الأقباط متحدون
ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد قداسا احتفالياً في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان أعلن خلاله الطوباوية الأرجنتينية "الأم أنتولا" قديسة وألقى عظة للمناسبة تحدث فيها عن معجزة شفاء الأبرص وقال إن القديسة الجديدة اجتازت آلاف الكيلومترات سيراً على الأقدام، عابرة الصحارى والطرقات الخطيرة لتحمل الله إلى الآخرين.
توقف الحبر الأعظم في مستهل العظة عند القراءة الأولى والإنجيل اللذين يتحدثان عن البرص، وهو داء يؤدي إلى إتلاف جسدي تدريجي للشخص، وينتج عنه التهميش وهو موقف ما يزال وللأسف موجوداً اليوم في بعض المناطق. ولفت البابا في هذا السياق إلى أن الرب يسوع يريد أن يحرر الرجل التي التقى به من داءين هما البرص والتهميش. وأكد فرنسيس أن هذا الرجل الأبرص كان مجبراً على العيش خارج المدينة، وتُرك ليواجه مصيره بنفسه عوضا عن الحصول على الرعاية. ولم يُساعد لأن الناس كانوا يخشون العدوى، فكان الخوف عائقاً. ثم هناك الأحكام المسبقة إذ كان الاعتقاد السائد بأن الله أراد أن يعاقب الإنسان المصاب بداء رهيب، بسبب إثم ما ارتكبه في حياته. وهو بالتالي يستأهل ذلك. وهناك أيضا التدين المزيّف، إذ كان يعتقد الناس في ذلك الزمن أن لمس الميت يجعل الشخص مدنساً، والأبرص كان يحمل جسداً ميتاً. هذا هو التدين المشوّه الذي يرفع الحواجز ويخنق الرأفة.
ولفت البابا في هذا السياق إلى أن الخوف والأحكام المسبقة والتدين المزيف هي أسباب ثلاثة تكمن وراء أوضاع الظلم، إنها بمثابة ثلاثة أنواع من برص النفس الذي يؤلم الضعيف ويقصيه. وأكد فرنسيس أن هذه الممارسات لا تقتصر على الماضي قائلا: كم من الأشخاص المتألمين الذين نلتقي بهم على أرصفة مدننا! وكم من الأحكام المسبقة والمخاوف والمواقف غير المنسجمة التي يعيشها من يقولون إنهم مسيحيون وهذا ما يزيد من معاناة الآخرين.
هذا ثم شاء البابا أن يسلط الضوء على أمرين فعلهما يسوع مع الرجل الأبرص في الإنجيل، إذ لمسه وشفاه. إن الرب شعر بالرأفة حيال هذا المريض فمد يده ولمسه، مع أنه كان يدرك أن هذا الأمر قد يجعله منبوذاً هو أيضا. لكن الأدوار انقلبت وبعد أن شفي الأبرص ذهب إلى الكهنة كي يُقبل مجدداً وسط الجماعة. ولفت الحبر الأعظم إلى أن يسوع كان قادراً على شفائه بدون أن يلمسه، لكنه فعل ذلك لأن طريقه هو طريق المحبة القريبة من المتألمين، والتي تلمس جراحهم. وذكّر البابا فرنسيس المؤمنين بأن إلهنا لم يبق بعيداً في السماوات، إذ تجسد في يسوع المسيح ليلمس فقرنا. وإزاء البرص الأخطر، الذي هو الخطية، لم يتردد في الموت على الصليب، خارج أسوار المدينة، منبوذاً كالخطأة كي يلمس في العمق واقعنا البشري.
تساءل البابا بعدها ما إذا كنا نحن أيضا، على غرار الرب، نقترب من الآخرين، أو نبتعد عنهم لنفكر بأنفسنا، وننغلق ضمن جدران رخائنا، ونقول إن تلك المشاكل تعني الآخرين وحسب. وحذّر فرنسيس هنا من خطر "برص النفس"، الذي هو مرض يجعلنا لا مبالين تجاه المحبة والرأفة، ويقضي علينا بواسطة الأنانية والأفكار المسبقة، واللامبالاة وعدم التسامح. وأكد البابا أن العلاج لهذا المرض يكمن في الفعل الثاني الذي قام به يسوع تجاه الأبرص. فقد لمسه. وهذه اللمسة لا تعني القرب وحسب إنما كانت بداية العلاج، مشيرا إلى أن الله قريب ورؤوف وحنون. فلمسة يسوع تجعلنا نشفى من الداخل، وهذا يحصل من خلال الصلاة والسجود، وعندما نجعله يتصرف بنا بواسطة كلمته والأسرار. فلمسته هذه تبدلنا حقاً، تشفينا من الخطية وتحررنا من الانغلاق، وتتخطى كل جهودنا الخاصة. ومن الأهمية بمكان ألا تكون صلاتنا فارغة من المضمون وعبارة عن تكرار للكلام، بل عليها أن تكون صادقة وحية، تضع أمام قدمي المسيح المآسي، الهشاشة، الرياء والخوف.
كما أن لمسة الرب تعيد إلينا جمالنا، مضى البابا يقول، وعندما يحبنا المسيح نعيد اكتشاف فرح أن نهب أنفسنا للآخرين، بلا خوف وأحكام مسبقة، وبعيداً عن التديّن الذي يخدّر الإنسان، وهذه اللمسة توقظ فينا القدرة على المحبة بعيداً عن كل الحسابات والمصالح. وهذا يتحقق من خلال المحبة التي تُعاش يومياً في العائلة وبيئة العمل، في الرعية والمدرسة، في الطريق والمكاتب والمتاجر. وهذه المحبة لا تبحث عن الدعاية أو عن التصفيق لأن المحبة مكتفية بالمحبة. وإذا ما تركنا الرب يلمسنا، يمكن أن تصبح – بواسطة قوة الروح القدس – شهوداً للمحبة التي تخلص.
بعدها قال الحبر الأعظم إننا نفكر اليوم بالقديسة الجديدة الأم أنتولا التي اجتازت آلاف الكيلومترات سيراً على الأقدام، عابرة الصحارى والطرقات الخطيرة لتحمل الله إلى الآخرين. وهي تشكل بالنسبة لنا اليوم نموذجاً للحماسة والشجاعة الرسولية. وذكّر البابا بأنه عندما طُرد اليسوعيون (من الأرجنتين) أضاء فيها الروح القدس شعلة إرسالية ترتكز إلى الثقة في العناية الإلهية والمثابرة. وقد طلبت شفاعة القديس يوسف والقديس Gaetano Thiene وأقامت التعبد لهذا الأخير، وقد وصلت أيقونته الأولى إلى بوينوس أيريس في القرن الثامن عشر. ولفت فرنسيس إلى أنه بفضل الأم أنتولا دخل هذا القديس إلى البيوت والأحياء ووسائل النقل والمحال التجارية، والمصانع والقلوب ليقدم حياة كريمة من خلال العمل والعدالة وتواجد الخبز اليومي على موائد الفقراء. في الختام طلب البابا فرنسيس من المؤمنين أن يتوجهوا إلى القديسة الجديدة القادرة على مساعدتهم، سائلا الرب أن يباركهم.