د. رامي عطا صديق
بعد أيام قليلة يحتفل المصريون والناس حول العالم باليوم العالمى للحب، وإن كنا نحتفل به يومين فى السنة، الأول فى 14 فبراير، وهو اليوم العالمى، ويُسمى «Valentine›s Day»، والثانى فى 4 نوفمبر وهو اليوم المصرى، الذى دعا إليه الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مصطفى أمين، أحد مؤسسى دار «أخبار اليوم»، فى عام 1974م.
ويأخذ هذا العيد فى يوميه الكثير من مظاهر البهجة والفرح، تظهر على وجوه الناس، وبالأخص الشباب منهم، فى المحلات والمولات والحدائق والمنتزهات، حيث يكثر شراء الهدايا وتبادل بطاقات المعايدة مع الورود الحمراء وقطع الشيكولاتة ورسائل الحب بكلماتها الرقيقة بين الأزواج والمخطوبين.
إننا كثيرًا ما نتساءل بيننا وبين أنفسنا، وربما فى بعض اللقاءات، الخاصة والعامة، عن المعنى الحقيقى للحب، وكيف لنا أن نصل إليه وندركه حتى نعيشه عن قرب ونتلامس معه؟.
من القصص المتداولة أن مُعلّمة فى إحدى المدارس الابتدائية سألت مجموعة من الأطفال: ما معنى الحب فى رأيكم؟، هنا تنوعت إجابات التلاميذ.. قال أحد الأطفال: عندما تصنع أمى القهوة لأبى فإنها تتذوقها أولًا حتى تتأكد أنها جيدة المذاق قبل أن تُعطى الفنجان لأبى. وقالت طفلة ثانية: حينما تقوم أمى بطهى دجاجة فإننا عندما نجلس على المائدة لتناول الطعام فإنها تعطى الجزء الأكبر من الدجاجة لأبى.
وقال طفل ثالث: عندما نستقل «المترو» ويكون وقت الزحام فإن أبى يهتم بأن تجلس أمى أولًا، أما هو فإنه يظل واقفًا أمامنا إلى أن يخلو المقعد الذى بجانبها ليجلس معنا. وقالت طفلة رابعة: عندما تهتم أمى بى وتساعدنى فى استذكار الدروس الصعبة، وكذلك عندما يهتم أبى بنا حيث نذهب معه كل إجازة فى رحلة جميلة لنقضى معًا وقتًا مُمتعًا. وقال آخرون: عندما نتعاون مع زملاء الفصل أو نلعب سويًا ولا نهتم مَن الفائز ومَن الخاسر.
هكذا عبّر التلاميذ الصغار، فى براءة معهودة، عن رؤيتهم للحب بمواقف عملية تُعبر عن اهتمام كل طرف بالطرف الآخر، بعيدًا عن الحقد والحسد والبغض والكراهية.. حيث يتنوع الحب بين حب الذات/ النفس، والحب الرومانسى العاطفى، ثم ثالثًا حب الآخرين، وهو أسمى أنواع الحب والبذل والتضحية والعطاء.
إن اهتمام كل واحد منا بأبيه وأمه وعدم الانشغال عنهما ومراعاتهما باستمرار، والاهتمام بالأسرة والعائلة، والسؤال الدائم عن أصدقاء العمر وزملاء الدراسة، وتقدير زملاء العمل والتعاون معهم، وزيارة ملاجئ الأطفال ودور المسنين والمستشفيات، ومساعدة المحتاجين والمشاركة فى تربية الصغار، وأن تساعد رجلًا مسنًا أو سيدة عجوز فى عبور الشارع، وأن تحافظ على نظافة الحى الذى تقطنه، والشوارع الأخرى التى تستخدمها، وأن تقوم بواجباتك نحو الوطن.. كل هذه وغيرها هى تعبير حقيقى وعملى عن معنى الحُب بمعناه الواسع والشامل.
وإذا كانت هناك روايات عديدة حول اختيار يوم 14 فبراير يومًا للعيد العالمى للحب، ويوم 4 نوفمبر يومًا لعيد الحب المصرى، فإننى أتذكر هنا ما قاله الأستاذ مصطفى أمين فى عموده «فكرة» منذ خمسين عامًا: «نريد أن نحتفل لأول مرة يوم السبت 4 نوفمبر بعيد الحب، حب الله وحب الوطن وحب الأسرة وحب الجيران وحب الأصدقاء وحب الناس جميعًا.. هذا الحب سوف يعيد إلينا كل فضائلنا ويبعث كل قيمنا، يوم كانت النخوة طابعنا والمروءة ميزتنا والشهامة صفتنا».
أعزائى القراء.. إذا كان عيد الحب يرتبط عند الكثيرين، فى مصر وفى الكثير من دول العالم، بالحب الرومانسى والعاطفى بين الرجل والمرأة، فإن الحب فى جوهره قيمة إنسانية نبيلة وراقية، ترتبط بغيرها من الفضائل والقيم الحياتية الإيجابية، مثل التسامح والتعاون والتعاضد والتعايش السلمى والسلام الإيجابى وقبول الآخر المختلف والقدرة على العطاء بلا حدود وبلا شروط أو قيود.
هى دعوة لأن نعيش المعنى الحقيقى للحُب فى كل يوم. نحب الآخرين من حولنا بلا استثناء، نتعاون معهم ونقدم العون لهم، لأننا جميعًا شركاء الوطن، وشركاء الإنسانية.
نقلا عن المصري اليوم