هاني لبيب
كتبت عدة مرات قبل انطلاق الدورة الـ55 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب عن مشكلاتٍ تلوح فى الأفق وتحيط بهذه الدورة، لكننى تراجعت عن نشر ما كتبته أملًا فى أن يحدث تغيير يخالف شكوكى وتوقعاتى، وألا تظن وزارة الثقافة أننى أستبق الأحداث، وتابعت بكل دقة تفاصيل الدورة التى انتهت فعالياتها يوم الأربعاء الماضى، بعد افتتاحٍ محاط بالتحديات والمعوقات التى يأتى على رأسها للأسف قصور القائمين على العمل الثقافى فى مصر عن إدراك حساسية اللحظة وخطورتها.
كنت لا أنتوى بالفعل الكتابة عن هذا المعرض، وما جرى فيه، بل وعن فعاليات الوزارة كلها، يأسًا وفقدان أمل، لكن القائمين على أمر وزارة الثقافة يُصرون بتصريحاتهم الغريبة على دفعى للكتابة رغمًا عنى، لذا قررت أن أضع أمامهم ما يعتقدون أنه مخفى، فقط ليعلموا أن هناك من يدركون فداحة ما يحدث.
بدأت دورة المعرض بتشكيلات منقوصة.. أغفلت فيها وزارة الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب وجود لجنة إدارية عليا للمعرض، وهى لمن لا يعلم اللجنة التى استحدثتها وزيرة الثقافة السابقة لتقوم بإدارة لوجستيات المعرض المختلفة، لكن التغيير سُنة الحياة، وهكذا تم إعلان تشكيل لجنة ثقافية عليا بلا شق إدارى، ولا وجود فيها لاتحاد الناشرين المصريين والعرب، لتنفرط إنجازات دورة المعرض التى وصفتها الوزيرة فى كل تصريحاتها بأنها (استثنائية).
معرض بديكورات منقوصة، و48 ساعة علت فيها صيحات الناشرين المصريين والعرب (على الجروبات) يستنجدون بمن ينقذ المشهد ويرفع كتبهم المتراصة على الأرض.. وطمأنة مستمرة من رئيس هيئة الكتاب بوعد الناشرين بحل الأزمة خلال ساعات، ثم يعود لرمى المسؤولية على الشركة المنظمة فى مكالماته لبعض الناشرين الذين نقلوا لزملائهم هذه التصريحات. فهل مسؤول هيئة الكتاب لم يكن يعلم، وهو يوقع على العقد وعلى بنود الديكور، أنه يختار عرضًا ناقصًا ومعيبًا؟! خاصة أنه كان شريكًا فى إقامة هذا المعرض منذ عام 2018 وحتى وقتنا هذا!
مفارش على كل لون وشكل وطاولات مهترئة غطتها المفارش المكرمشة، وكأننا فى سوق الجمعة، وتردٍّ للمعرض الذى كانت مصر تفخر به، والذى قدمت فيه الدولة المصرية نقلة كبرى، ممثلة فى مركز مصر للمعارض بشركاتها وشراكتها الناجحة مع وزارة الثقافة، ومعرض صعد إلى قمته فى سنوات سابقة لينتهى به الحال كما نرى.. يبيع أحدهم زيت الزيتون والتمر فى جناح الطفل.. فأى كراسة شروط قدمها هذا البائع ليشغل هذه المساحة؟! حفلات توقيع فى الأجنحة.. وهى مخالفة تنص عليها كراسة الشروط التى لم تجد رقيبًا ينفذ موادها على المخالفين.
ديكورات مختلفة لأكثر من 15 دار نشر قامت بإنشاءات مخالفة وتعليات وحوائط وليس هناك رقيب ولا ضابط.. وحفلة محشى (ورق) عنب وكرنب!! لعله شكل من أشكال النشر (الورقى)!! ناهيك عن عدم وجود أجهزة الكشف عن التذاكر وعدها، التى تم توفيرها للهيئة فى دورات سابقة، لكن الهيئة لم تستخدمها هذا العام، ولا أدرى كيف حصرت الهيئة والوزارة رقم الخمسة ملايين زائر الذى أعلنته البيانات؟! فضلًا عن منصة توقفت تمامًا عن أداء وظيفتها بعد أن كلفت الدولة المصرية منذ 5 سنوات 14 مليون جنيه لإطلاقها، وتحويل المعرض إلى صيغة رقمية حديثة متطورة.. إننا بالفعل أمام دورة استثنائية بكل المقاييس.
نشاط ثقافى هزيل ومنسوخ من برنامج العام الماضى، لكنه أيضًا مختلف، فقد تم إلغاء نشاط السينما تمامًا، وكذلك حفلات المسرح الكبير بل ونشاط الفنون التشكيلية، وتحول جناح الطفل إلى خيمة كبيرة، بعد أن كان يشغل مبنى كبيرًا فى الأعوام الماضية. وكذا إلغاء النشاط المهنى الذى فكك رئيس الهيئة لجنته المحترمة التى قامت على هذا النشاط بجدية وحرفية فيما سبق، إلى درجة أن بعض أعضاء لجنة النشاط المهنى بمعرض القاهرة أصبحوا مسؤولين عن النشاط نفسه فى معارض عربية منافسة.
مازلنا بصدق أمام دورة استثنائية، فالكتب المزورة كانت تُتداول عند بعض بائعى سور الأزبكية على عينك يا تاجر، وكتب بعض المتطرفين الذين مُنعوا لسنوات من بث سمومهم فى عقول شبابنا افتخرت دور النشر التى تُصدرها بأنها الأكثر مبيعًا دون أى خجل، وجوائز المعرض تُمنح لكتب لا تنطبق عليها اللائحة (رسائل ماجستير ودكتوراه مطبوعة)، ولجان تحكيم بها أسماء مكررة من العام الماضى بالكربون.. تمامًا كمن شاركوا بالندوات ثلاث وأربع مرات وفقًا لجدول الفعاليات المعلن.
نقطة ومن أول السطر..
لا أنكر أبدًا وجود بعض المميزات، وأهمها أن دورة المعرض هذه قد مرت بأقل نسبة خسائر، لذا أتمنى الصراحة مع أنفسنا ومواجهة الحقيقة، فمؤسسات الدولة وأجهزتها كلها وضعت إمكانياتها تحت تصرف وزارة الثقافة وهيئة الكتاب لإنجاح هذا الحدث الثقافى الكبير.. ولا يصح أبدًا أن تتنصل الوزارة من مسؤوليتها باحثة عن شماعات لتعليق عجزها وقصور رؤيتها عليها. كما أتمنى ألا أرى مرة أخرى دورة استثنائية مثل هذه لمعرض الكتاب. وللمرة الألف أكرر «الثقافة هى الحل».
نقلا عن المصري اليوم