صلاح الغزالي حرب
مصر هى كنانة الله فى أرضه، وقد ذُكرت فى التوراة والإنجيل والقرآن، كما أن رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، قال: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض»، وقال له أبوبكر، رضى الله عنه: «ولم ذلك يا رسول الله؟»، قال: «إنهم فى رباط إلى يوم القيامة»، ويكفى مصر فخرًا فى العصر الحديث نصر أكتوبر العظيم، الذى بهر العالم، وقضى على الغرور والصلف الإسرائيلى الكريه، ثم كانت الضربة القاصمة لجماعة الشر من الإخوان المتأسلمين على يد جيشها العظيم، ثم تلاها التصويت الجامع لقائد الجيش وقتها، الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتم تجديد البيعة مؤخرًا لفترة قادمة.. ومصرنا الآن تمر بأزمة كبيرة تحتاج تضافر كل الجهود من أجل انقشاع الأزمة.. ونبدأ أولًا بمناقشة أسباب الأزمة:
1) عوامل خارجية:
نعلم جميعًا هذه العوامل التى ألقت بظلالها على كل بلدان العالم بدءًا بالأزمة الفيروسية الشرسة التى قضت على حياة الملايين حول العالم، ثم جاءت الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا وما تبعها من تأثيرات على التجارة العالمية وأسعار الطاقة والغاز وغيرها، وارتبكت الأسواق المالية، ورفع البنك الفيدرالى الأمريكى قيمة الفائدة لأعلى معدل للسيطرة على معدلات التضخم، التى بلغت ذروتها منذ أكثر من 40 عامًا، فانسحبت من البنك المركزى المصرى ما يسمى «الأموال الساخنة»، وهى التى تتدفق من دولة إلى أخرى لكسب فائدة بسيطة على سعر الفائدة لتغيير سعر الصرف، وهى فى مصر كانت استثمارات فى أذون خزانة، وليست للأسف استثمارات فى مشروعات كما كان يُفضل.. ثم أحاطت بمصر مشكلات صعبة من كل الجبهات فى الجنوب من السودان وفى الغرب من ليبيا وفى الشرق من فلسطين، ولا تزال، والتى أسفرت عن لجوء الملايين من هذه المناطق للبحث عن العيش الآمن فى مصر، وما مثله ذلك من عبء ثقيل على الميزانية المرهَقة.
2) عوامل داخلية:
من حقنا كشعب ومن واجبنا كحكومة أن نعترف بصراحة ووضوح بهذه العوامل، التى بكل تأكيد أثرت فى تفاقم الأزمة، ويمكن تلخيصها فى الآتى:
أولًا.. الاختيارات غير المناسبة فى الكثير من المواقع:
أستطيع القول إن هذا هو السبب الرئيسى لأى أزمة تواجه بلدنا، ولذلك أطالب بضرورة أن تكون الاختيارات دائمًا وفق معايير علمية دقيقة تشمل الخبرة والأمانة والقدرة على اتخاذ القرار، والوعى السياسى والقدرة على الابتكار والتعامل مع المواطنين، ويُطبق ذلك بطبيعة الحال على كل المناصب القيادية فى الجامعات والشركات والمؤسسات الحكومية وغيرها، كما أرجو أن تكون الموافقة على الوزراء، بعد عرض كل منهم سياسته على مجلس النواب، بعد مناقشات علنية، والإعلان عن خبراتهم وسيرتهم الذاتية أمام الرأى العام، وهناك ملاحظة بخصوص استقالة الوزراء، والتى كما يُشاع يجب أن تكون إقالة!، وهو لو صح أمر غريب ومرفوض، فكل مسؤول يشعر بعدم مقدرته على القيام بمهماته على الوجه الأكمل من حقه، بل من واجبه أن يتقدم بالاستقالة إلى رئيس الوزراء، ومن ثَمَّ إلى رئيس الدولة.
ثانيًا.. عدم الاهتمام بالأولويات:
من الواجب أن نذكر أن ما حدث فى السنوات العشر الأخيرة على أرض مصر هو إعجاز لا يمكن إنكاره فى مجالات كثيرة كانت فى أمَسّ الحاجة للسرعة مع الإتقان من أجل راحة المواطن وتسهيل الأمر وتقليل الوقت على المستثمرين والقضاء على العشوائيات والبدء فى مشروع حياة كريمة لأول مرة فى التاريخ الحديث والمدن الجديدة وغيرها، ولكن ومع الظروف الصعبة التى نمر بها، ينبغى أن نراجع كل المشروعات فى خطواتها الأولى تحت شعار الأولويات، وذلك بتشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه المشروعات وتعديل مواعيدها بما يتناسب مع حاجة الوطن والمواطن فى آن واحد.. وعلى سبيل المثال، لابد من وضع أزمة التعليم التى تفاقمت وأزمة الصحة التى أثقلت كاهل المرضى وإعادة النظر فى توقيتات الانتهاء من مشروع التأمين الصحى الشامل بأسرع وقت، وأنصح بدراسة دمج مشروع التأمين الحالى مع المستقبلى لسرعة الإنجاز، مع توفير النفقات، بعد أن لاحظت إسرافًا غير مفهوم من جانب الإدارة الحالية للمشروع الجديد، (التفكير فى إنشاء أجنحة ملكية وذهبية فى الأقصر لتشجيع السياحة العلاجية!!، واستخدام الروبوت لخدمة المرضى!، وغيرها). وأكرر التذكرة للمسؤولين عن المشروع بأن احتياجات المريض المصرى لا تخرج عن مستشفى نظيف جاهز لاستقباله وطبيب ماهر وممرضة مدربة وعلاج سليم ومتاح فقط.. وأود الإشادة هنا بما سَنّه الرئيس السيسى لأول مرة فى مصر من ضرورة عدم الإعلان عن إقامة أى مشروع إلا بعد انتهاء العمل فيه على الوجه الأكمل، وبذلك نتخلص من المشروعات التى عاصرناها فى السابق، والتى لم تتجاوز إزاحة الستار عن لوحة البدء فى المشروع، مع صورة تذكارية!، ولكن على الجانب الآخر أطالب بضرورة الشفافية الكاملة أمام المواطن قبل البدء فى المشروع، وخاصة تلك التى تمس المواطن مباشرة، ونتذكر هنا على سبيل المثال إزالة الأشجار من مناطق كثيرة بالجمهورية، ومنها فى المعادى ومصر الجديدة وغيرها، والتى أثارت غضب الناس جميعًا، وأيضًا إزالة الكثير من المقابر بغير مناقشة أهل المتوفى احترامًا لحرمة الموت وغيرها من الأمثلة، التى يتحمل مسؤوليتها المحافظون غير المؤهلين للوظيفة، مع تردى أوضاع المجالس المحلية.
ثالثًا.. عدم احترام القانون وكذلك التحايل عليه:
فى ولاية الرئيس السيسى الأولى طلب من مجلس النواب سرعة الانتهاء من تعديل ترسانة القوانين التى ابتُلينا بها منذ سنوات، وللأسف لا تزال هناك الكثير منها حتى الآن، والتى يتحايل عليها البعض، مما يتيح الفرصة للفساد، والأمثلة كثيرة على عدم الاكتراث بالقانون، بدءًا من الشارع المصرى، الذى تمرح فيه السيارات كيفما شاءت، وليس كما يقول القانون، مرورًا بالواسطة والمجاملة، التى أصبحت عرفًا سيئًا عند الكثيرين من أجل تسيير الأمور، وتوظيف غير المستحقين، وخاصة فى بعض المؤسسات الحكومية المهمة، التى أصبحت معروفة لدى الجميع، بكل أسف، وغير ذلك كثير، مما أدى إلى شيوع الإحباط عند الملايين نتيجة عدم قدرتهم أو عدم رغبتهم فى مخالفة القانون.
رابعًا.. عدم احترام الرأى والرأى الآخر:
تعودنا منذ سنوات طويلة على قبول سياسة الرأى الأوحد، فى حين أن وجود الاختلافات فى الرأى هو الأمر الطبيعى والموجود والقائم منذ أن خلق الله الكون، وهو أمر صحى يضمن سير الحياة بشكلها الطبيعى والاستفادة من كل الرؤى والأفكار التى تضمن أكبر قدر من المنفعة المتبادلة بين أبناء المجتمع الواحد، ولن يتم ذلك إلا عبر تشجيع إنشاء الأحزاب الحقيقية ومساندة النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدنى المختلفة، وقد تفاءلنا جميعًا بقرار الرئيس السيسى بإطلاق الحوار الوطنى، الذى أطالب باستمراره حتى تتبلور الأحزاب الحالية إلى 3- 5 أحزاب فقط، وكل منها يعلن عن سياساته وأفكاره وتصوره عن المستقبل الذى ينشده لبلده، وعلى الدولة أن تفتح النوافذ لكل رأى وطنى مخلص وعبر كل وسائل الإعلام بغير قيود، مع الالتزام بالجدية والوضوح وعدم التجاوز من أجل خلق مناخ سياسى نظيف يتيح لكل مواطن الفرصة لحسن الاختيار فى كل الانتخابات.. وبالقطع لا وجود بيننا لجماعة الشر الإخوانية ولا لأى أحزاب دينية.
خلاصة القول..نحن نعانى أزمة صعبة، ولكنها سوف تُحل بإذن الله إذا أخلص كل منّا فى عمله بكل الجد والأمانة، وأصلحنا أخطاءنا، وسوف أقدم بعض الأفكار لمَن بيده القرار:
1- التغيير هو سُنة الحياة، ونحن فى حاجة ماسّة إلى تغيير شامل فى الجهاز الحكومى يتناسب مع الوضع الحالى، مع ضرورة تقليل عدد الوزارات لتقليل النفقات، وتسهيل العمل، ومنها ضم الزراعة والرى، وضم الكهرباء مع البترول (الطاقة)، وإلغاء التعليم العالى والبيئة، (مجلس أعلى) وغيرها إن أمكن.
2- تشكيل مجموعة عمل من كبار المتخصصين فى الاقتصاد وفروعه، بصلاحيات كاملة، مع رئيس جديد للبنك المركزى، ووضع خطة للتعامل مع مشكلة الديون فى المقام الأول.
3- تحجيم الاستيراد إلى الحد الأدنى، والتركيز على التصدير، وإزالة كل عقباته، بغير تَعارُض مع احتياجات المواطن، مع القضاء على مافيا الاستيراد، التى تعلمها الدولة جيدًا.
4- إعطاء القطاع الخاص حقه فى المشاركة فى بناء مصر الجديدة بكل قوة، والقضاء على البيروقراطية بتعديل القوانين وتسهيل الاستثمارات الخارجية.
5- لن أتحدث عن العناية بالملايين من محدودى الدخل ليقينى أنهم من أولويات رئيس الدولة، منذ عرفناه رئيسًا.
ولكِ الله يا مصر.
نقلا عن المصرى اليوم