عاطف بشاي
يقفز فوق الأسوار العالية والأسلاك الشائكة.. ويقتحم بقوة وجسارة معاقل المحرمات والممنوعات والمحظورات.. ويبحر بشجاعة وإقدام على طرح القضايا المسكوت عنها بجرأة مزينة بأفكار جديدة وتحليلات سديدة أو كما يقول الكاتب الكبير «محمد سلماوى» فى مقدمته عن كتابه المدهش «نجيب ساويرس.. مصر من غير لف ودوران» إنه لا يقبل أن يكون متفرجًا ولا يمكن أن يسكت عن قول الحق وهو يرى أمامه ظلما بينًا يقع.. فمن عرف الحق عز عليه أن يراه مهضومًا... فهوايته الأثيرة أن يقول ما لا يجرؤ الكثيرون على قوله، وهى هواية جلبت عليه الكثير من المتاعب.
ويعبر «نجيب ساويرس» فى مقدمة الكتاب عن تبريراته لاشتباكه الثقافى والفكرى والصحفى، واقتحامه مجالات التعبير عن قناعاته واهتماماته بقضايا الوطن من خلال ممارسة الكتابة الصحفية.. والانخراط فى أمور ثقافية هدفها الاهتمام بالشأن العام والمساهمة فى الإصلاح والتطور الحضارى، فيؤكد بحسم لا يخلو من طرافة وسخرية «لا أزعم أننى كاتب مقالات أو أننى أملك موهبة الكتابة إنما هى خواطر وآراء أردت بها أن أفيد وطنى ومن هم بيدهم تغيير مسار بلدنا إلى الأفضل.. وسأحاول أن أثبت لكم ولفئة المثقفين المحتكرين للفكر والتنظير أنه يمكن أن يكون الإنسان ذا مال.. ولكنه فى الوقت نفسه عطوف وكريم ووطنى ومثقف وأيضا صاحب فكر.. فبعض الدكاترة أعضاء حزب التنظير لا يرون فى الرجل الثرى غير ماله رغم أن فكره قد يكون أهم أسباب نجاحه، فالفكر والوطنية ليسا حكرًا على الفقراء وحملة الدكتوراه.. وتاريخ مصر يزخر بالنماذج الوطنية المشرفة الدالة على ذلك مثل طلعت باشا حرب وأحمد لطفى السيد رائد الليبرالية المصرية... إلخ».
والكتاب المفاجأة الذى يقع فى (350) صفحة يحتوى على (92) مقالًا قصيرًا يشمل الكثير من مناحى الحياة فى تنوع مبهر وشيق وأسلوب سلس وبسيط دون تقعر أو ادعاء احتكار المعرفة فى أمور شتى فى الشأن العام والسياسة وقضايا الشباب وأطفال الشوارع والإعلام.. والفنون والرياضة والعقائد والمواصلات والفكر والمؤتمرات والاقتصاد والانتخابات والبيروقراطية والديمقراطية والليبرالية وتنظيم الإخوان المسلمين والاستثمار والمالية والسياحة... إلخ.
■ ■ ■
فى إطار تناول «نجيب ساويرس» فى كتابه عن نماذج مضيئة من شخصيات عظيمة ومؤثرة فى الحياه السياسية منذ ثورة (1952)، يتحدث بالكثير من الإجلال والتوقير عن الأب الروحى للإعلام المصرى القدير «عبد القادر حاتم» الذى يحفل سجله بالإنجازات العملاقة من خلال مناصبه المختلفة، وقد كان من القلائل الذين أتيحت لهم الفرصة للعمل تحت قيادة الرؤساء «جمال عبد الناصر» و«أنور السادات» و«حسنى مبارك».. حيث أسند إليه «عبد الناصر» وزارات الإعلام والثقافة والسياحة.. فكان أول وزير إعلام مصرى يضع البنية الرئيسية للإعلام فى الخمسينيات.. وأسس وكالة أنباء الشرق الأوسط.. وإذاعة صوت العرب.. ومدينة الإعلام ومسرح البالون والدار القومية للنشر ومتحف الأقصر ومشروع الصوت والضوء بمعبد الكرنك.. وإنقاذ معبد أبو سنبل من الغرق.. وإنشاء مدينة الغردقة السياحية..
وفى أثناء فترة حكم الرئيس السادات الذى شكل وزارة حرب استعدادًا لخوض معركة التحرير واستعادة الأرض المسلوبة.. عين على رأسها «د. عبد القادر حاتم» بجانب عمله وزيرًا للإعلام وكلفه بالتعاون مع «محمد حسنين هيكل» لوضع خطة الخداع الاستراتيجى.. والذى سمى وقتها بأنه «قاتل أحلام المصريين فى خوض الحرب.. والراقص على جثتها».. حيث صور مصر باعتبارها جثة هامدة لإقناع الجميع، وأولهم إسرائيل وأمريكا، أنها لا تقوى على القيام بأى عمل عسكرى، عن طريق نشر أخبار عن صفقات السلاح الإسرائيلية والقدرات الضخمة التى يملكونها فى «خط بارليف»، وفى قدرتهم على تحويل القناة إلى مقبرة العبور، وتحقيق الانتصار المظفر الذى أذهل العالم كله.. وقد كان ونجحت الخطة الدقيقة والمحكمة التى وضعها «حاتم» الذى يصفه «نجيب ساويرس» بأنه شخصية هادئة تتسم بالحكمة والذكاء البالغ.. لطيف المعشر ذو ابتسامة تفيض بالمحبة والود.. والعطاء.. ويذكر له موقفًا ذكيًا مع الرئيس جمال عبد الناصر حكاه له وهو أن بعض المغرضين أخبروا «عبد الناصر» أن الدكتور «حاتم» ألغى خطبة الرئيس من القناه الثانية وقصرها على الأولى.. فسأله الرئيس بنبرة غاضبة إذا كان هذا صحيحًا.. فرد الدكتور «حاتم» بالإيجاب أنه صحيح.. وأعقب ذلك بالشرح بأن هناك فى الإعلام ما يسمى «بالافر كيل»؛ أى أن «تكرار الخطبة على أكثر من قناة يؤدى فى النهاية إلى عكس المطلوب ويكرّه الناس فيك».. واقتنع عبد الناصر وتعلم من حكمة وذكاء ذلك الرجل العظيم.
نقلا عن المصرى اليوم