القمص اثناسيوس فهمي جورج
بينما كانت والدة الإله ملازمة للصلاة ؛ أعلمها الروح القدس أنها ستنتقل من هذا العالم ، فحضرن إليها عذارى الزيتون ، وبإشارة إلهية تجمع عندها الرسل... ثم أتى إليها السيد الرب له المجد وأخبرها بالراحة الأبدية التي تنتظرها بعد أن جاز فيها سيف الآلام والتهبت أحشاؤها بالنظر إلى صلبوت ابنها الوحيد ...
وقد حمل الرسل جسدها الطاهر ودفنوه في الجسمانية بإكرام جزيل ، وتسجل الأيقونة هذا التقليد ، بتعبير روائي عن إيمان الكنيسة الأولى حيث العذراء مسجاة على فراش الرقاد يحيط بها الرسل الأطهار ... بينما السيد المسيح يستلم وديعة نفسها الطاهرة بين يديه الإلهيتين ، وقد صان جسدها الكريم من تراب القبر ونقله إلى المجد الأسنى ... ذلك الجسد الذي تقدس بحلول الابن الكلمة واتخذ منها عجنة البشرية كلها، وسكن في أحشائها واتخذ دمه ولحمه منها ، فكيف إذن يحولها الموت إلى رماد وتراب؟! وهي التي بتجسد ابنها أنقذت العالم من فساد الموت وردت حزننا إلى فرح قلبي ...
إنها الكرمة التي عنقودها قد أثمر ، وهي الإناء المستور قبل كون العالمين بكنزها الخفي الذي في وسطه الجوهر ، وهي الحاملة كل الأسرار والحقل المشهور الذي أفلح من ذاته ، وسقاها صار مفلحًا روحًا قدوسًا وصريحًا ، وهي أيضًا الينبوع والكرمة المفلحة من غير تفليح ، التي صارت أرضًا غير محروقة ؛ فأنتجت خبز الحياة ، وأينعت خمر الخلود وزيتونة الرحمة الدائمة الأثمار ...
فكما نزل نحوها ، هكذا رفعها عنده لأنها القبة الأسمى ومنارة السماء الثانية ، وهي العروس التي اختارها الآب وظللتها قوة العلي وحل فيها الروح القدس . وقد صارت الأولى والسباقة بعد أن ولدت الطريق والحق والحياة ، فعاشت شركة أمومة سرية تربطها بإبنها ، عندما صنع بها القدير عظائم ورفعها إليه في منازله العلوية ؛ وهي الآن ناظرة علينا تشفع في خلاص جنس البشر ، ففي رقادها ما أهملت العالم وما تركته من شفاعتها .