د. رامي عطا صديق
بين الحين والآخر، تطالعنا صفحات الحوادث بأخبار وحكايات تتعلق بفشل واحدة من محاولات الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية، عبر «مراكب الموت» التى تريد عبور البحر المتوسط من مصر فى الجنوب إلى الشاطئ الآخر فى الشمال، بغرض الهروب إلى واحدة من الدول الأوروبية، حيث تتم تلك العمليات من خلال تجار تعودت الصحف أن تطلق عليهم لقب «سماسرة الموت»، إلا أن الكثير من تلك المحاولات يبوء بالفشل، حيث تتمكن الجهات المسؤولة والمختصة من إحباطها، وقد يغرق الركاب ويخلفون وراءهم قصصًا كثيرة وحكايات إنسانية تؤذى النفس وتؤرق القلب!!.
حقيقة الأمر أن هناك جهودًا كثيرة تبذلها مؤسسات الدولة المصرية لمواجهة أسباب تلك الظاهرة والتوعية بمخاطرها. وأذكر هنا أننى شاركت منذ فترة قريبة فى فعالية مهمة نظمتها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، وهى تتبع رئاسة مجلس الوزراء، ومقرها وزارة الخارجية المصرية، وقد تأسست بموجب القانون رقم 82 لسنة 2016م وتم تشكيلها فى 23 يناير 2017م، وترأستها حاليًا السفيرة نائلة جبر.
استمر اللقاء لمدة ثلاثة أيام، وحضره عدد من رجال الدين الإسلامى ورجال الدين المسيحى، يُمثلون الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء والكنائس المصرية، وبعض الفاعلين فى مؤسسات المجتمع المدنى. طرح المشاركون فى اللقاء عدة تساؤلات، دارت فى مجملها حول أسباب الهجرة غير الشرعية ومخاطرها، ومفهوم الاتجار بالبشر وأنواعه، وكيف يمكن مواجهة تلك الظاهرة، وسبل نشر الوعى بين الشباب وإقناعهم بالعدول عن التفكير فى مثل هذا الأمر.
المشكلة معروف أسبابها، ومعروفة أيضًا نتائجها وآثارها، ويبقى التفكير فى وضع حلول جذرية لها والعمل على تنفيذها، حيث تتعدد أسباب الهجرة غير الشرعية، وإن كانت تتركز بشكل عام حول البحث عن ظروف اقتصادية أفضل وأوضاع اجتماعية أكثر رقيًا، وفى سبيل ذلك فإن المُهاجرين هجرة غير شرعية أو الساعين إليها قد يتعرضون لمخاطر ومشكلات عديدة، منها الوقوع ضحية عصابات الاتجار بالبشر، أو تنتهى أحلامهم بالغرق والموت فى عرض البحر والعودة لأهاليهم داخل صناديق.
والاتجار بالبشر جريمة عالمية، تتواجد فى أكثر من مكان حول العالم، حيث تديرها شبكات دولية مشبوهة، تقوم بتجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة القوة أو الاختطاف أو الاحتيال، ويتم استغلال هؤلاء الأشخاص من أجل تحقيق الربح المالى.
ومن المعروف أنه كثيرًا ما يستخدم المتاجرون بالأشخاص العنف أو وكالات العمل الاحتيالية، والوعود المُزيفة بالتعليم وفرص العمل لخداع الضحايا وإكراههم على ممارسات غير أخلاقية وأفعال غير قانونية.
أما الحلول، فإنها تتركز حول مواجهة أسباب الظاهرة، والتعاطى العلمى والعملى مع ظروفها، ومن بينها العمل على تحسين الظروف الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية، من خلال التوسع فى فتح آفاق التدريب والتطوير وتوفير فرص العمل للشباب، وتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الاستثمارية، ومن جانب آخر العمل على دعم وترسيخ منظومة القيم الإيجابية مثل قيم العمل والقناعة والصبر والسعى وتجنب الطمع والرغبة فى الثراء السريع.
وتنمية روح الأمانة والإخلاص والإبداع والابتكار، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على تجار وسماسرة الهجرة غير الشرعية ومن يمارس الاتجار بالبشر، والتوعية والتثقيف بمخاطر الهجرة غير الشرعية وجريمة الاتجار بالبشر، والتعريف بقانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين رقم 83 لسنة 2016م، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010م.
ويبقى التأكيد على ضرورة الشراكة وأهمية التشبيك بين الجهات المسؤولة، الوطنية والإقليمية والدولية، ومنها الهيئات التابعة للأمم المتحدة.. ومن مصر: المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، ووزارات الداخلية والتربية والتعليم والتعليم العالى والشباب والرياضة والثقافة والتضامن الاجتماعى والاستثمار والإعلام، ومنظمات المجتمع المدنى، بالإضافة إلى المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، حيث يظل للخطاب الدينى دوره وتأثيره على المصريين، مثلما للبرامج الإعلامية والأعمال الفنية دورها وتأثيرها.
وختامًا، أحلم- مثل غيرى- بيوم قريب تكون فيه مصر جاذبة بشكل أكبر للمستثمرين العرب والأجانب، وهى بالفعل سوق واعدة، ما ينعكس على فرص العمل، فلا تكون دولة طاردة لأبنائها وللموهوبين منهم فى مختلف المجالات.
نقلا عن المصري اليوم